في مارس 2011 دعا رئيس الموساد الأسبق "إفرايم هاليفي" إلى الحوار مع حماس، غير أنه قال في حينها: "إن الوقت غير مناسب، وإنه يجب خلق وضع تكون فيه حماس جزءًا من الحل وليست جزءًا من المشكلة"، فهل أصبحت البيئة السياسية مناسبة بعد معركة "سيف القدس"، وتحقيق المقاومة الفلسطينية أهدافًا عسكرية وسياسية واجتماعية في مرمى العدو الإسرائيلي؟
وهل يمكن عد تصريحات المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" أن "المحادثات غير المباشرة" مع حماس ضرورية لإعطاء دفع للجهود الهادفة إلى إنهاء "العنف" في هذا السياق؟ إذ كان تصريحها قبيل إعلان وقف إطلاق النار فجر الجمعة 21 مايو 2021 بعد 11 يومًا من التصعيد العسكري بين المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي، على خلفية الاعتداءات على الفلسطينيين في الشيخ جراح والمسجد الأقصى وباب العمود، علمًا أن ألمانيا كانت أشد الدول مناصرة للاحتلال في عدوانه، إذ أكدت منذ اللحظة الأولى "حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها"، متجاهلة حق الفلسطينيين في الدفاع وحاجتهم للحماية من الاعتداءات الإسرائيلية، وكلٌّ يعلم أن مدينة القدس تحظى بوضع ديني وقانوني خاص بحسب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهل من الصدفة أن يصرح مسؤول أوروبي رفيع للجزيرة بأن الاتحاد الأوروبي سيحتاج للتعامل مع حركة حماس بشكل أو بآخر لأنها جزء من الحل؟ مع ربطه تلك الاتصالات بتحقيق المصالحة الفلسطينية أولًا، موضحًا أن ذلك قد يحدث بشكل مباشر أو غير مباشر عبر طرف ثالث مثل قطر أو مصر.
لا شك أن حماس لا تزال مدرجة على لائحة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، وأن ثمة عناوين تفرض نفسها على الطاولة، باعتبار أن أيديلوجية الحركة قائمة على مقاومة (إسرائيل) ورفضها الاعتراف بها، مع قبولها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967م، دون الإقرار بمبدأ حل الدولتين، وذلك أن حل الدولتين هو اعتراف ضمني بدولة (إسرائيل)، وهو ما يتناقض تمامًا مع مبدأ زوال الاحتلال وتحرير فلسطين.
ومع استحضار موقف الإدارة الأمريكية من حركة طالبان الأفغانية والحوثيين في اليمن، نستطيع أن نستشرف أن قوة الميدان تفرض على الجميع معادلات صعبة، لكنها ممكنة بعد فشل كل الحلول العسكرية، ومحاولات التجاهل السياسي، وبالـتأكيد نحن هنا أمام موقف أوروبي لا يبدو أنه يقترب من الموقف الأمريكي من المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، ولكننا في سياق تغير دراماتيكي ينسجم مع قناعة الإدارة الأمريكية الحالية متمثلة في الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الذي شغل منصب نائب الرئيس ثماني سنوات في عهد الرئيس الأسبق "باراك أوباما"، وأدرك فشل كل الجهود التي بذلت سابقًا في تحقيق حل الدولتين مع وجود "نتنياهو" واليمين الإسرائيلي الذي لا يؤمن بحل الدولتين، ولا يؤمن بوجود شريك فلسطيني قوي، ويؤمن فقط بيهودية الدولة، وفي المقابل إن الإدارة الأمريكية تدرك أن السلطة الفلسطينية أضعف من أن تمتلك شرعية سياسية أو قدرة موضوعية لفرض أي حل، ستعارضه حركة حماس وفصائل المقاومة بالسلاح والتأييد الشعبي الواسع.
كما أن الاشتراط الأوروبي بتحقيق المصالحة قبل فتح قنوات اتصال مع حماس يصطدم بخوف السلطة وحركة فتح حتى الاحتلال، من إجراء انتخابات ستفوز بها حماس بأغلبية، تسمح لها بمنع أي حل لا يلبي طموح الشعب الفلسطيني بدولة ذات سيادة وعاصمتها القدس! وهنا تظهر المعضلة الأكبر المرتبطة بالسيادة الفلسطينية التي تعارضها (إسرائيل) بشكل كامل، إضافة إلى "القدس" وتعريفها الديني والجغرافي والسياسي الذي يشمل القدس شرقيها وغربيها، وما تحت الأرض وفوقها، وهي بالتأكيد أكثر تعقيدًا من أن يمكن حسمها في مدة رئاسة بايدن.
ربما تكون أوروبا أقرب إلى حماس من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن من الواضح أن أي نجاح حقيقي لحسم قضايا الصراع يجب أن يحظى بموافقة أمريكية صريحة أو ضمنية، وإذا كانت أوروبا قد بدأت تدرك أن حماس جزء من حل واقعي يشمل قبول الحركة بما تمثله من شرعية سياسية وقيادة للمقاومة الفلسطينية، فهذا يعني أن البيئة الإستراتيجية أصبحت لمصلحة مشروع المقاومة، الذي يحتاج إلى صياغة أكثر براغماتية سياسية تراعي مستقبلها الإقليمي والدولي.