فلسطين أون لاين

المصالح المشتركة بين السلطة والاحتلال في الضفة

كم يكون المشهد صادماً عندما نشاهد جنود الاحتلال الإسرائيلي يحاصرون ثم يقتحمون منزلاً يتحصن فيه ثلاثة من الشباب الفلسطيني المقاوم، في وسط الضفة وتحديداً في قرية "روجيب" قضاء مدينة نابلس والتي تبعد مسافة 4 كم فقط عن مركز المدينة. حيث تستغرق عملية الجيش الإسرائيلي تلك عدة ساعات، في ظل غياب كامل للأجهزة الأمنية الفلسطينية وصمت مطبق من هياكل السلطة الفلسطينية المدنية والعسكرية، وخلو تام من وجود السكان سواءً فردياً أو جماعياً، وكأن المكان قد تم تهيئته لمشهد تمثيلي تنقله كاميرات الهواتف عبر مواقع التواصل الاجتماعي!

كل ذلك يحدث ونحن ندرك أنه لا يخلو يوم من أيام الضفة الغربية سواء في مدنها التاريخية أو قراها القديمة أو أزقتها العتيقة من حالة اعتداء صهيوني، سواء من المستوطنين أو من الجيش الذي يحميهم. وهي حالة مستمرة قبل وجود السلطة الفلسطينية وبعدها، ولكنها تعززت بعد عملية السور الواقي 2002، أي بعد أن أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الغربية حرفياً. فقد أصبحت تفاصيل النشاط الاقتصادي والأمني مرهونة بمكاتب الإدارة المدنية الإسرائيلية، والتي تشرف عليها وحدة إدارية متكاملة في الجيش الإسرائيلي، تعرف محلياً باسم "المنسق" أي منسق شؤون الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية، ويترأسها ضابط عسكري برتبة ميجر جنرال وهو عضو في هيئة الأركان الإسرائيلية.

كل ذلك يمكن فهمه ضمن سياسات أي احتلال عبر التاريخ، لكن الغير مقبول أن تكون السلطة هي الغطاء "الوطني” لتمرير سياسات الاحتلال وعملياته الأمنية والاقتصادية داخل الضفة الغربية! وإلاّ كيف يمكن تفسير غياب السلطة وأجهزتها الأمنية على طول مسار جيبات الجيش التي تمر عبر عدة كيلومترات بين القرى وداخل المدن الفلسطينية وصولاً إلى ذلك البيت؟ وهذا ما يتكرر بشكل شبه يومي في كل المحافظات سواء جنين في الشمال أو نابلس في الوسط أو الخليل في الجنوب.

"الفلسطيني الجديد" هو عنوان يلخص مهمة الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" التي استمرت ثلاث سنوات بين 2007-2010م، في إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية على عقيدة أمنية جديدة، والتي عبر عنها العقيد رمضان عوض وهو ضابط فلسطيني في مقابلة تلفزيونية منشورة  بتاريخ 11 نوفمبر 2008، أن أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة "لديهم تعليمات قطعية بعدم إطلاق الرصاص على المستوطنين أو الجيش الإسرائيلي". 

الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة هي وجه السلطة الذي يعرفه المواطن الفلسطيني، عندما يتعلق الأمر في قمع الوقفات الاحتجاجية للعمال الفلسطينيين، الذين يعترضون على تدخل السلطة في تقاضيهم أجورهم مقابل عرق جبينهم وتعبهم من العمل في الداخل المحتل، أو في اعتقال المعارضين السياسيين والمقاومين من بيوتهم أو اختطافهم من أماكن عملهم وزجهم في زنازين التحقيق والتعذيب في أريحا ورام الله والخليل. وقد شهد الجميع مشاهد السحل والضرب المتكررة ضد النخب والمحامين والحقوقيين وحتى المحررين الذين تظاهروا لأسابيع ضد جريمة السلطة بقتل الناشط السياسي نزار بنات خلال عام 2021م.

وذلك هو الدور الأمني الذي يفسر تخصيص عنصر أمن لنحو 50 مواطنًا فلسطينيًّا! (حيث أن يقدر عدد أفراد الأمن بنحو 65000، وعدد السكان في الضفة 3.19 مليون نسمة)، وأن تستحوذ تلك الأجهزة الأمنية نحو 20% من موازنة السلطة السنوية البالغة (3.9 مليار دولار) وهو ما يزيد عن موازنة مجموع ثلاث وزارات خدمية أساسية هي الصحة والتعليم والزراعة. ويحصل منتسبيها على نحو 42% من إجمالي رواتب موظفي السلطة. بالإضافة إلى المخصصات الدولية والأمريكية التي تحرص تلك الدول على تأكيدها لكن دون الإفصاح عن قيمتها المباشرة، ولكن بعض المصادر تقدرها بنحو 4 ملايين دولار سنويًا.

ومع ذلك فإن جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة تتجاوز قدرة التحمل لدى المواطن الفلسطيني في الضفة، الذي يشعر في كل لحظة بأن السلطة لا تحمل له أو لأولاده مستقبلاً سياسياً، ولا توفر له أو لأسرته حماية أمنية من اعتداءات المستوطنين أو الجيش الذي يحميه، بل لا يشعر بوجودها عند حاجته لها، ولا يفتقدها عندما يتعلق الأمر بخدمات التنسيق الأمني للاحتلال!

وهذا ما يعكسه العمل المقاوم اليومي في الضفة ففي شهر أغسطس فقط من العام الحالي 2022م، تم تسجيل نحو 60 عملية إطلاق نار على دوريات الجيش أو مراكز المستوطنات داخل الضفة الغربية. ناهيك عن عشرات العمليات الأخرى التي تشمل الطعن والدهس وإلقاء العبوات الناسفة أو زرعها بالإضافة إلى نقاط الاشتباك بالحجارة والزجاجات الحارقة "المولوتوف" على امتداد جغرافية الضفة.

إن ما تحتاج إليه الضفة الغربية هو توفير بيئة شعبية حاضنة للعمل المقاوم، توفر له الحماية الوطنية والتمويل المادي لكي يستمر ويتطور. فالضفة هي ساحة المواجهة الأوسع مع الاحتلال والعمق الأمني للمقاومة الذي يؤلم الاحتلال في خاصرته الضعيفة.