أشارت بعض التقارير الاستخبارية التي تناولتها الصحف العبرية إلى مساعي الجيش الصهيوني ونيته لتنفيذ حرب شاملة على قطاع غزة يطبق من خلالها خطة الجيش في الدفاع عن مصالح الاحتلال في المنطقة، وضرب بنية المقاومة في المحور، المعروفة بـــ (خطة تنوفا)، حيث تبدأ أولى مراحل هذه الخطة بتنفيذ سلسلة عمليات اغتيال واسعة في صفوف قادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وضرب شبكات الهجوم العسكرية التي تشكل مصدر تهديد رئيس للاحتلال، ثم إعادة احتلال مناطق واسعة في القطاع لتصفية معظم خلايا المقاومة وتحييد كل المخاطر التي تهدد أمن العدو الصهيوني.
بدأ الاحتلال بتنفيذ هجماته الجوية يوم العاشر من مايو 2021 وهو أول أيام الحرب على غزة، وذكرت القنوات العبرية أن جيش الاحتلال يستهدف عقد قتالية للمقاومة كمرحلة أولى من مراحل تنفيذ خطة جيش الاحتلال، والتي أطلق عليها "حارس الجدران". صحيح أن غالبية أسماء العمليات العسكرية للاحتلال مستمدة من عقيدة توراتية على حد مزاعمهم، إلا أن العدو اختار هذا الاسم ليعزز من صورته الذهنية أمام المجتمع الدولي والتي تعطي انعكاسًا عن عقيدة جيش الاحتلال في الدفاع وأنه ما زال في مرحلة حماية سكان دولة الكيان، وهو ما يمنحه خطوة في السباق نحو تعاطف دولي على حساب القضية الفلسطينية والمجازر التي يتعرض لها أبناء شعبنا.
الخطة الصهيونية تعتمد على حرب طويلة المدى، وتثبيت قواعد اشتباك جديدة هدفًا رئيسًا أشار له قائد أركان جيش الاحتلال "أفيف كوخافي" الذي أظهر استعداد كل تشكيلات جيش الاحتلال الصهيوني في خوض القتال بعد تقييم الأداء في المناورات العسكرية على حدود غزة والتي شاركت بها قوات كوماندوز أمريكية حسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام العبري، والتي ركزت على ضرورة القتال باستماتة على سواحل بحر قطاع غزة، لما له من أثر عميق في ضرب منظومة أمن الاحتلال حال نجحت المقاومة في مهاجمة القطع البحرية أو المواقع الحدودية في زكيم، والتركيز على تأمين الجبهات الأخرى في لبنان وسوريا، والدفع بآلاف الجنود الاحتياط للمشاركة في العمليات العسكرية.
وبعد أحد عشر يومًا من القتال يمكن طرح تساؤل رئيس: هل حقق جيش الاحتلال الحد الأدنى من أهدافه في قطاع غزة؟
هنا يمكن الوقوف على أبرز محطات القتال للمقاومة الفلسطينية، والتي فاجأت العدو، وعملت على تحقيق عنصر الصدمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومة نتنياهو على وجه الخصوص، بعد أن استطاعت المقاومة البدء في تنفيذ هجماتها الصاروخية على عمق 75 كيلومترا كأول دائرة جغرافية تتعرض لصواريخ المقاومة، والتي تعطي دلالات أن اتساع بقعة الزيت ستغطي فلسطين المحتلة، وأن إمكانية خوض المقاومة لحرب طويلة المدى أصبح أمرًا مطروحًا على طاولة المجلس الوزاري المصغر، والذي له ما بعده من تداعيات خطرة على دولة الاحتلال وموقعها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط.
تركيز المقاومة على تنفيذ استراتيجيتها القتالية بالقلم والفرجار وتفعيل كل تشكيلاتها الإعلامية والسياسية والأمنية التي تدعم التشكيل القتالي، ساهم في فضح جرائم العدو، وضرب صورته أمام المجتمع الدولي، وأحرج الإدارة الأمريكية المنحازة للاحتلال، وهو ما حقق شيئا ملموسا يُنظر إليه بالإيجابي في موقف الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الذي أكد ضرورة وقف إطلاق النار فورًا، الأمر الذي شكل صفعة على وجوه قادة الجيش الصهيوني ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
فشل العدو في اغتيال قادة المقاومة، وفشل في تدمير بنيتها التحتية، وخسر المعركة استخباريًا، وعسكريًا، ونجح في قتل الأطفال والنساء وهدم المنازل على رؤوس المواطنين، وتدمير شبكات الصرف الصحي، وآبار المياه، وإنهاك الاقتصاد الوطني بعد تدمير عشرات الورش الصناعية والحقول الزراعية التي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد والهروب قدر الإمكان من خط الفقر، ليُشكل العدو صورة انهزامية لأخلاقه التي بدأ يتناولها الإعلام العربي والعالمي والتي تظهر فقدان العدو للقيم والأخلاق خلال الحرب على غزة، وهو ما يمكن أن يستثمره الفلسطينيون في محاكمة العدو كمجرم حرب أباد عشرات العائلات وحذفها من السجلات المدنية.