منذ احتلال فلسطين عام 1948، وارتكاب العصابات الصهيونية المتطرفة مجازر دموية بحق أبناء شعبنا، وامتلاك العدو آلة القتل والدمار، وتعزيز تموضعه إقليميًا ودوليًا، بدأت منظومات الكيان الصهيوني في دراسة المتغيرات في نطاق البيئة الإستراتيجية التي تحيط بفلسطين المحتلة ضمن الجغرافيا وتأثيراتها في الكيان، وهو ما يزال يشكل تحديًا جسيمًا للاحتلال في ظل تعدد الجبهات، وتعاظم المخاطر.
لقد باتت عوامل الردع ذات مسوغ مكلف وثمين، ومن الصعب على الكيان أن يمتلك أي عامل دون أن يدفع ثمنًا كبيرًا، كذاك الذي يدفعه حاليًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد الانسحاب الصهيوني من القطاع عام 2005، فمنذ الإعلان عن تنفيذ خطة فك الارتباط بدأ الكيان في صياغة رؤية إستراتيجية لتحقيق الردع دون أن يتحمل ثمنًا كبيرًا، من خلال تشييد جدار آمن لحماية ظهر جيشه ومستوطنيه، وبعد 9سنوات من الانسحاب فَقَد العدو الصهيوني أبرز عوامل قوة الحماية الدفاعية التي كانت تمثل العمود الفقري في رؤيته الأمنية، حيث استطاعت المقاومة الوصول إلى عمق تحصينات الجيش على حدود غزة عام 2014 وتنفيذ عمليات نوعية قُتل خلالها عدد كبير من الجيش، وضُرب حزام المنظومة الأمنية الصهيونية.
وهو ما يجري حاليًا بالضفة الغربية، فبعد إعلان حكومة اليمين إلغاء خطة فك الارتباط والعودة للمستوطنات التي انسحب منها الاحتلال عام 2005، بات العدو غارقًا في العمليات الفدائية التي تشكل تهديدًا أمنيًا مرعبًا للكيان، بالتزامن مع الدعوات الصهيونية التي تطالب بتوسيع دائرة الاغتيالات في صفوف المقاومة والرد على العمليات التي تتصاعد في الضفة، بالرغم من ارتفاع وتيرة التنسيق بين الاحتلال والإدارة الأمريكية لضرب معاقل المقاومة وبنيتها التحتية، وهو ما جاء على لسان قادة الاحتلال ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو.
اقرأ أيضًا: (إسرائيل) فشلت في حسم المعركة
اقرأ أيضًا: "فقاعة" الحديث الإسرائيلي عن ترميم الردع
تعددت الجبهات، بدءًا من غزة، والضفة، ولبنان، وسوريا، وبات العدو فاقدًا للردع، يبحث من جديد بعد 75 عامًا عن أي وسيلة أو أداة لترميم حالة الردع أمام مصادر التهديد، بالرغم من تطبيع العديد من دول المنطقة مع الكيان، وامتلاكه قوة سياسية هائلة، وقدرة على اجتياز أي مرحلة سياسيًا، إلا أن العوامل الأكثر قوة لاستعادته حالة الردع لا تزال مفقودة، وهو ما تتحدث عنه المنظومة العسكرية للجيش التي تحاول الحفاظ على كفاءة الجيش في ظل التخوف من حرب محتملة أمام قوى المحور.
وللإجابة عن التساؤل عن مدى استعداد الكيان لاستعادة الردع في ظل تعدد الجبهات، لا يمكن للجيش الصهيوني أن يحسم معركة شاملة، وهو ما صرح به جنرالات الجيش المتقاعدون وجنرالات ما زالوا على سلم الخدمة العسكرية، باعتبار أن السيناريوهات التي يطرحها الاحتلال لحسم المواجهة تصطدم بالعديد من المتغيرات، أبرزها دور إيران التي تتصدر قيادة المحور، ودعمها لحزب الله الذي استعد تمامًا لجولة قتال عالية المستوى أمام جيش الاحتلال، كذلك التحول الدراماتيكي الكبير في الضفة، التي باتت تشكل عقدة أمنية أمام المنظومة الأمنية الصهيونية، إضافة للمقاومة في قطاع غزة وحالة الجهوزية الدائمة لخوض معركة متعددة الجبهات، ستكون محورًا رئيسًا على طريق التحرير.