يدخل العدوان الإسرائيلي على غزة أسبوعه الثاني، وما زال جيش الاحتلال في حالة تأهب قصوى، فقد تمكنت حماس من وضع نفسها كدرع محصن، وتعبئة فلسطينيي الـ48، وحرق الوعي في القدس وتل أبيب، ورغم سلسلة الاغتيالات وصور الدمار من غزة، فإن الحركة ما زالت يدها العليا، لأنها حققت سلسلة إنجازات يمكنها التباهي بها، من إطلاق الصواريخ نحو القدس إلى مئات الصواريخ دفعة واحدة إلى غوش دان والشارون.
على الصعيد الاستراتيجي حصلت حماس على ما طلبته، وأصبحت في نظر المقدسيين وسكان الضفة الغربية المدافع الإسلامي عن فلسطين، وحارسة القدس، كما أن إنجازات حماس بهذه الجولة يضاف إليها تجنيد الفلسطينيين في المدن العربية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وخوضهم اشتباكات مع اليهود، وهذه من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لحماس ساحة أخرى.
صحيح أن (إسرائيل) تزعم أن لديها توجهًا بردع حماس على المدى الطويل، لكن أداءها العسكري الحالي محكوم عليه بالفشل مقدمًا، فقد أمضى الجيش وقتًا طويلًا في مهاجمة المباني الخالية، لكنها سياسة ليست رادعة بشكل كافٍ، والخلاصة أنه في هذه الجولة القتالية لن تهزم (إسرائيل) حماس.
يقدر بعض الإسرائيليين أنه لا حل للتهديد الذي تشكله حماس إلا من خلال عملية عسكرية واسعة النطاق تشمل مناورة برية في عمق قطاع غزة، واحتلاله، وتقسيمه إلى مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإذا أرادت الحكومة الإسرائيلية تحقيق ردع طويل الأمد، فإن عليها شن هجوم حاسم في غزة، وتأمر جيش الاحتلال بتوسيع عملياته بشكل كبير في الجولة العسكرية الحالية، رغم عدم وجود بوليصة تأمين على نجاعة هذا الحل!
في الوقت ذاته، ما زالت (إسرائيل) مأخوذة بالمفاجأة التي بدأت فور اندلاع المواجهة مع غزة، حيث انجرت إلى مواجهة لم تكُن في حسبانها، ولعل الخطأ الأخطر تلك الفرضية القائلة أن حماس لم ترغب بالتصعيد بشكل كبير، بما في ذلك إطلاق الصواريخ على (إسرائيل)، لكن الإنجاز الواعي للحركة ليس له حدود، فحماس تتحدث بلغة جديدة، بما في ذلك الإنذارات الموجهة لـ(إسرائيل)، والوفاء بها، من خلال إطلاق الصواريخ عليها بساعات محددة.
الواضح الآن أن (إسرائيل) انجرت إلى مواجهة حادة، وحسب أسلوبها فإنها لا يمكن أن توقفها قبل أن تحصل على صورة انتصار وهمية، رغم أن الحركة حصلت على فرصة غير عادية بربط الأقصى بالمقاومة في غزة، والدفاع عن القدس، وإيجاد قضية مشتركة يمكن حتى لفلسطينيي الـ48 أن يتعاطفوا معها، للاستفادة من ملف القدس.
إن دخول الأسبوع الثاني من هذا العدوان يؤكد أن (إسرائيل) الحالية ليس لديها رافعة ردع أمام قطاع غزة، ما دفع بحماس إلى شن هجومها في يوم القدس، ما ترك آثارًا سلبية من أهمها تآكل الردع، لأن (إسرائيل) دفنت رأسها في الرمال!