ما زالت دولة الاحتلال مأخوذة بالمفاجأة التي بدأت فور اندلاع العدوان على غزة، وأساسها هو خطأ تقديرها بأن حماس لم ترغب بالتصعيد بشكل كبير، بما في ذلك إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكن الإنجاز الواعي للحركة ليس له حدود، فحماس تتحدث بلغة جديدة، ومحمد الضيف يتبنى أسلوبا جديدا يتمثل بتوجيه الإنذارات لإسرائيل، والوفاء بها، من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل في ساعات محددة.
الواضح الآن أن إسرائيل انجرت لمواجهة حادة، في حين حصلت حماس على فرصة غير عادية بربط الأقصى بالمقاومة في غزة، و"الدفاع" عن القدس، وإيجاد قضية مشتركة يمكن حتى لفلسطينيي48 أن يتعاطفوا معها، للاستفادة من ملف القدس.
بدأت الأزمة منتصف شهر رمضان حين تم تداول صور عمليات إخلاء واشتباكات في حي الشيخ جراح، أعقبتها احتجاجات في الحرم القدسي، وقنابل صوتية داخل المسجد الأقصى، في حين شارك عدد من أعضاء الكنيست من معسكر اليمين بعمليات الاقتحام، على الرغم من أن الرد الإسرائيلي على ما يحصل في الحرم القدسي سيكون له حسابات جيو-استراتيجية طويلة المدى.
إسرائيل الحالية ليس لديها رافعة ردع أمام قطاع غزة، ما دفع محمد الضيف لشن مثل هذا الهجوم في يوم القدس، بسبب سياسات بنيامين نتنياهو، واستمراره في تجنب المواجهات العسكرية غير الضرورية، وسعيه لخلق هدوء طويل الأمد، لكن ذلك ترك آثارا سلبية من أهمها تآكل الردع، ودفنت إسرائيل رأسها في الرمال.
وقد رمزت الإيماءات التي أعقبها العدوان بشكل جيد إلى فشل مفهوم عهد نتنياهو، وبسبب ذلك استطاعت حماس تكثيف قدراتها العسكرية في قطاع غزة، تمهيدا لانفجار الوضع الميداني مع إسرائيل، مع أنه بحلول الوقت الذي دخل فيه الجيش الإسرائيلي حالة تأهب قصوى، تمكنت حماس من وضع نفسها كدرع محصن، وتعبئة فلسطينيي48، وحرق الوعي في القدس وتل أبيب.
لا يتردد الإسرائيليون في الاعتراف بأنه رغم سلسلة الاغتيالات وصور الدمار من غزة، فإن حماس ما زالت تحوز اليد العليا، لأنها حققت سلسلة إنجازات يمكنها التباهي بها، سواء إطلاق الصواريخ نحو القدس؛ مئات الصواريخ دفعة واحدة إلى غوش دان والشارون، وعلى الصعيد الاستراتيجي حصلت على ما طلبته، وأصبحت في نظر المقدسيين خصوصا، وجميع الفلسطينيين عموما، بأنها المدافع عن "كل فلسطين"، وحارسة القدس، وهي بذلك تعزز صورتها داخل الحلبة السياسية الفلسطينية.
الخلاصة أن إسرائيل تسعى لردع حماس على المدى الطويل، لكن أداءها العسكري الحالي محكوم عليه بالفشل مقدما، فقد أمضى الجيش وقتاً طويلاً بمهاجمة المباني الخالية، وهي سياسة ليست رادعة بشكل كافٍ، والنتيجة الإسرائيلية المتوافق عليها أنه في هذه الجولة القتالية لن تتمكن إسرائيل من هزيمة حماس!