تأتي الممارسات الاستيطانية الأخيرة في أحياء القدس العربية، خاصة الشيخ جراح، منسجمة مع ما يصدر من تصريحات للساسة اليهود، وتمثل آخرها في تهديد عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية بترحيل العرب باسم الملكية اليهودية لإسرائيل، ثم تجلت خطورة التهديد عندما سكنت منظمة عطيرت كوهانيم ثلاثة منازل في قلب سلوان.
تتمثل سياسة الحكومة الإسرائيلية بترسيخ التفوق اليهودي في المدينة المقدسة، رغم أن الاستيلاء على البيوت وحده لن ينجح في تهويد البلدة القديمة والأحياء المحيطة بها مثل سلوان والشيخ جراح، واليوم بعد مضي 54 عامًا على احتلال شرقي القدس، يعيش فيها مائة ألف فلسطيني وأقل من ثلاثة آلاف مستوطن.
يأتي طرد العائلات الفلسطينية من منازلهم باعتبارها رأس الحربة في ممارسات العنف المستمر من الشرطة الإسرائيلية، والسيطرة على الأماكن العامة، وهدم المنازل، وهي سلوكيات تشكل مجتمعة تهديدًا وجوديًّا للقدس الفلسطينية.
بعد إنشاء المجمعات الاستيطانية الصغيرة في أماكن مختلفة حول البلدة القديمة، تعمل منظمات المستوطنين على ربطها، ومن ثم إنشاء حلقة من الاستيطان الإسرائيلي حول البلدة القديمة، وعليه من المفترض أن تعزز البيوت الجديدة في سلوان الصلة بين معاليه زيتيم والمستوطنة في بطن الهوى، وبناء عليه فقد يكون لمثل هذا الاتصال تأثير مزدوج.
يتمثل التأثير الأول بتقوية هذه المجمعات الاستيطانية بشكل كبير، بحيث تشكل تهديدات صغيرة كجزء من سلسلة استيطانية متصلة، والتأثير الثاني فإن الحلقة الاستيطانية تخترق الأحياء الفلسطينية، وتقطع مساحتها المكتظة في حوض البلدة القديمة، وتنتهك حرية حركة الفلسطينيين بشكل خطر عندما تواجه مسارات المشي اليومية، والوجود المسلح للمستوطنين المسلحين، وحراسهم الأمنيين الخاصين وحرس الحدود.
هذه التأثيرات تجعل الواقع الفلسطيني خطرًا جدًّا، لذلك تعمل المنظمات الاستيطانية بشكل استراتيجي، فإنجازاتها مبنية على القوة، وتضع إسرائيل آلياتها وميزانياتها تحت تصرفها، ويبدأ ذلك بسن الكنيست قوانين مثل قانون أملاك الغائبين، وعلى أساسه استحوذت هذه المنظمات على معظم ممتلكاتها، وبموجبه يدير النشطاء اليمينيون ممتلكات في شرقي القدس، بما في ذلك الصندوق القومي اليهودي.
إن استمرار تدخل إسرائيل في مشاريع المصادرة، مع قيام الشرطة بمساعدة المستوطنين، ومحاربة الفلسطينيين، والمشاريع التي تمولها الدولة للمستوطنين بمئة مليون شيقل في السنة، يتم تتويجها بموافقة القضاة الإسرائيليين على هذه الأحكام التعسفية ضد المقدسيين.
إن هذه الممارسات الاستيطانية ليست نزوة قومية متطرفة ترتكبها منظمات استيطانية مسيحانية، لكنها مشروع لدولة الاحتلال بأكملها، يحظى بدعم الساسة الرئيسيين، فضلًا عن الأحزاب اليمينية، القومية والدينية، ما يتطلب المزيد من الفعاليات الفلسطينية لإحباط هذه المخططات الاستيطانية، فالمظاهرات تقوي المقدسيين، وتعطي دفعة لمن يعمل معهم ضد مخططات تهويد أحيائهم.