"إنني أقاتل محتسبًا صابرًا، فإن سلِمت فنعمة من الله عز وجل، وإن كانت الشهادة فهذا كفني، وأكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه" ألب أرسلان.
ألب أرسلان الأسد الشجاع، الذي نظَّم جيوش المسلمين وقادهم ليهزموا الروم البيزنطيين هزيمة مادية ومعنوية مزلزلة، حين أسروا الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع، لم يكن من نصيبه مرافقة رسولنا الكريم في بدر الكبرى، أو مرافقة خالد في اليرموك، أو سعد في القادسية، ولكنه صنع لأمة الإسلام تاريخًا ماجدًا في ملاذكرد، وأوقف الخطر البيزنطي عن بلاد الإسلام، وعبَّد العباد لرب العباد في مناطق الأناضول.
الزمان: شهر رمضان عام 463ه.
المكان: ملاذكرد (ملازغرد حاليًّا في محافظة موش في تركيا).
أطراف الصراع: ما يقارب 50 ألف جندي بقيادة السلطان محمد ألب أرسلان، أكثر من 300 ألف جندي بيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس.
استطاع طغرل بك التركي أن يسيطر على مقاليد الخلافة العباسية ويتقرب من الخليفة، بعد أن أطاح بعرش البويهيين الشيعة الذين تعاظم خطرهم على الخلافة في بغداد، وبعد وفاته استطاع ألب أرسلان أن يرتقي إلى حكم الدولة السلجوقية التابعة للخلافة العباسية، إذ حافظ عليها من خطر الفاطميين الشيعة في مصر والشام شرقًا، والبيزنطيين في الأناضول شمالًا، وكانت عاصمة السلاجقة مدينة الريّ في إيران.
قضى ألب أرسلان على القلاقل الداخلية، ثم خرج بجيشه مجاهدًا لاستعادة حلب الواقعة على حدود الإمبراطورية البيزنطية من الفاطميين، وفي طريقه سيطر على ديار بكر أيضًا، الأمر الذي أقضَّ مضاجع الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس، فسيطرة السلاجقة على حلب يُعدُّ أمرًا خطرًا سيجرُّ الويلات، فهم لن يتوقفوا عن الزحف تجاه الأناضول، لذا لا بدَّ من مواجهتهم.
خرج رومانوس على رأس جيش ضخم، للقضاء على دولة السلاجقة بقصد إنهاء وجودها في إيران وشرق الأناضول ثم الانتقال إلى عاصمة الخلافة الإسلامية، بغداد للتخلص من هذا الخطر المتصاعد، وصل البيزنطيون إلى منطقة ملاذكرد وسيطروا عليها، وقسَّم الإمبراطور جيوشه لعدَّة أقسام، وحدث أن نشبت معركة بين جيش ألب أرسلان وأحد أقسام جيوش الروم، هزمهم المسلمون هزيمة نكراء.
أراد ألب أرسلان أن يستثمر هذا النصر لإنهاء القتال عند هذا الحد، فأرسل يطلب من رومانوس الصلح والتوصُّل إلى اتفاقٍ سلميّ، فرفض بغرور قائلًا: "لا هدنة إلا في الريِّ" (أي أنني لن أهزمك فقط، بل سأسيطر على عاصمتك أيضًا).
فما كان من ألب أرسلان إلا أن لبس كفنه وتحنَّط وخطب بجنده باكيًا لله متوسلًا النصر ووعظهم بالإيمان بالله والتوجه إليه في هذه الشِّدَّة، وحمَّسهم على القتال، وأمَّ بهم في صلاة الجمعة، وعقد ذيل فرسه، ثم التقى الجيشان ودارت بينهما حرب شرسة استمرت حتى غروب الشمس أبلى فيها السلاجقة بلاءً حسنًا رغم قلة عددهم مقارنة بعدوهم، وانتصروا فيها نصرًا ساحقًا على الروم مهَّد لفتح القسطنطينية لاحقًا، ووقع إمبراطور الروم في الأسر وأُبيدَ معظم جيشه.
أصبحت بذلك الأناضول موطنًا للأتراك المسلمين بعد أن كانت موطنًا للروم الأرثوذكس، فقد أرغم ألب أرسلان الإمبراطور البيزنطي على التنازل عن بعض مناطق تابعة للروم مثل أنطاكية والرها، وزادت هيبة دولة السلاجقة في العالم.
البلاط البيزنطي لم يتقبل هزيمة الإمبراطور وأسره، فانقلبوا عليه، ونفوه إلى جزيرة بعيدة.
ملحوظة: كان العرب قديمًا يعقدون ذيل الفرس قبل النزول إلى المعركة، وتسمى ربطة الموت، وتعني أن لا رجوع عن المعركة إلا بنصر أو شهادة، فإن مات الفارس ترك ذيل فرسه مربوطًا خلفه، وإن انتصر حلَّها بنفسه، وفعلها سلاطين الأتراك قبل النزول إلى المعارك.