فلسطين أون لاين

​فن الإلقاء بين الترهيب والترغيب

الخطابة يا سادة فن من فنون إيصال المعلومات للآخرين بأسلوب يروق لهم ، ولغة يستمتع بها كل المستمعين والمشاهدين بكافة فئاتهم العمرية ، ومستوياتهم الفكرية ،ودرجاتهم العلمية .

الإلقاء فن يستقبله المعنيون بموجات صوت متنوعة ، ولغة جسد متفاعلة ، ليبلغ درجات الإقناع للعقول والأذهان ، ويحقق الإمتاع للنفوس والوجدان ، فهي ليست مجرد كلمات تصدح ، أو أصوات تصرخ ، بل يحاول الخطيب أو الُملقي أن يُعلِمَ الناس أو يعظهم ، وحقيقة هنا مربط الفرس ، فطريقة الوعظ وانتقاء الأسلوب الأنسب مع شرائح المستمعين جزء أصيل من فنون الإلقاء ، وللأسف الشديد أن الكثيرين يعتقدون بأن الالقاء خاص بالمُلقي وقدرته على إيصال المعلومات ، دون مراعاة أنماط وطبائع واستعداد المستمعين للكلام ، فهو يُلقي وفق شخصيته وقناعته هو دون النزول أو التنويع ليتناسب المقال مع الحضور والمستمعين من الخاصة والعامة .

فعلى الخطيب أو المُلقي أن يراعي قدرات الحضور واستعداداتهم لقبول كل ما يقال بما يتناسب مع أنماطهم العقلية وثقافاتهم الحياتية ، وهنا يجب على المُلقي أن يبدأ بتوظيف قدراته الشخصية ، ومظهره الخارجي ، وجمال ملبسه ، وروعة قسماته ، ونبرات صوته ، وعظيم معلوماته ، ليشكل نسيجاً معلوماتياً بطريقة تعجب المستمعين وتناسبهم ، اما الترهيب فيجب أن يكون من خلال الترغيب ليحقق مفهوماً عكسياً ، ودافعاً أمامياً للمستمع ، ويولد رغبة في التنفيذ بعد تحقيق القناعة والاقناع ، والابتعاد عن أسلوب الصراخ والتهويل والترهيب ، واستخدام كلمات لا تليق بجمهور الحضور كالتقليل من قدرهم بوصفهم بالمقصرين أو المتخاذلين أو اللامبالاة بحال جموع الناس وعامتهم في القضايا الوطنية أو الإسلامية ، فجرح المستمع يجعله في حالة من الدفاع عن ذاته ، وتجميع قواه وأحاسيسه للدفاع عن موقفه ، وتشكيل جبهة رفض مع من حوله لتبرير موقفه ، بالمقابل الأسلوب الإيجابي في الطرح وحث الناس من خلال عرض النموذج الجميل ، والصورة المشرقة ، والتركيز من خلال الترغيب والنصح ، تصنع المعجزات في قلوب وعقول الناس من الكبار والصغار سنا وقدراً .

وأختم أن القائد العظيم محمد الفاتح كانت تسرد له والدته كل يوم قصة من بطولات السلف وإنجازاتهم ، ولم تتطرق يوماً لقصص وواقع المنهزمين والمنبطحين ، فسيرتهم لا تساهم في إعداد قادة أو بناء نفوس عظيمة قادمة للتغيير ، وخلق واقع جديد ، وهذا من عدم أسباب اقناع الجمهور بما ينادي به الملقون والخطباء منذ عقود ، و أن يكون الترغيب هو مدخل الإقناع وحث الناس على ترك العادات والممارسات السلبية ، ولكن بطريقة إيجابية شكلاً ومضموناً ، فيا أيها الخطباء والعلماء غيّروا من طريقتكم وأسلوبكم لتصنعوا من مستمعيكم قيادات وأبطالا بإيجابية وفاعلية .. ألم نتفق أن الإلقاء فن أكثر من رشق الكلمات !!