شهر رمضان موسم ارتقاء نسعى فيه لأن نكون قيمة تعمق وجودنا لنتخطى مرحلة الوجود إلى مربع الحضور، ولنحفر أسماءنا على صخرة الحياة لنكون تاريخ جغرافيتها، وليبقى شامخًا، رافع الرأس.
طموحات يتمناها الجميع مع قلة الساعين، والقادرين على إخراج تلكم الطاقة الإيجابية والمخزون الكامن في دواخلهم ليعلنوا تضامنهم مع طموحهم وينتصرون على ذواتهم، محققين أثرًا أطول أمدًا، وليذكروا جيلًا بعد جيل.
الأمنيات جميلة، والتغني بها أجمل، ولكن تحقيقها يحتاج إلى رجال أفذاذ ذوي عناوين كبيرة وهمة عظيمة، فقصة النجاح مؤلمة، ومرهقة، ومشوار الحياة طويل ومليء بالسقطات والمعيقات، فالناجحون أكثر الناس سقوطًا، أكثرهم وجعًا، لكنهم ينهضون من جديد متغلبين على جراحاتهم وآلامهم، بل يجعلون منها قطار وصول، ومحطة انتظار للخطوة القادمة ويجعلون من الوجع وقودًا لدفع عجلة الزمن، بدمائهم تارة، وبعرقهم ودموع عيونهم تارة أخرى.
الحياة -يا صديقي- مشوار ألم طويل لتحقيق الذات والانتصار عليها وصولًا إلى نقطة الأمل، فالحياة محطات عبور لا انتظار، بل محطات انطلاق، ومشوار حياة جديد بمعية الرحمن.
السقوط سنة من سنن الحياة وسمة تغلب على تفاصيلها، السقوط تاج يلبسه الناجحون ويزين عيونهم بدموع وجع ممزوجة بابتسامة التفوق والإجادة، لكنهم لا يتحدثون عن العذاب والأوجاع إلا بعد تحقيق ذواتهم والوصول إلى قمة النجاح، حينها فقط يستحضرون قصة نجاحهم ومشوار حياتهم، أما الآخرون فيتكلمون عن العقبات قبل البدء وقبل المضي خطوة واحدة، فيقتل طموحاتهم الخوف منها.
الحقيقة أن كليهما يخشى الوجع، لكن شتان بين من يخشى ويقتحم ومن يجلس مشاهدًا الآخرين في مشوار عذاباتهم ليبقى مشاهدًا أو حاسدًا أو منتظرًا الفتات أو ما تبقى من لقيمات على موائد النجاح.
النجاح واستعادة النهوض قرارك أنت، بخوض مشوار الألم، أو مراقبة المغامرين والمتميزين في طريقهم، لكن عليك تقبل النتائج ولا تلومن إلا نفسك.
النجاح خروج من حالة السكون والانتظار إلى مربع الانطلاق بقرار، قرارك أنت لتصنع لنفسك قيمة نحو قمة تبنيها بيديك وبعرق السنين ووجع الأيام وسهر الليالي، فلا نجاحات بالتمني أو أحلام فراش دافئ لتحلم بالمجد وأنت ترتشف فنجان قهوة، وعنوانك الهيام والتحليق في سماء الخيال.
لا يا صديقي؛ فجميل أن تحلم وتتخيل، مع أن تنطلق نحو تحقيق طموحاتك بعيون مفتوحة وقلوب منشرحة، وعقول مبصرة وواعية تدرك تمامًا ما تريد وكيف تحقق ما تريد.
النجاح كسر للسراب وتحطيم للشهوات، فلا تؤجل لحظات الانطلاق وتنتظر رفقاء الطريق فانهض وامضِ، ولو وحيدًا، ترافقك السلامة وتصحبك الأمنيات، زادك الطموح، تظلك معية الله وتحفظك كلماته في كنف رضا والدين يضيء لك الطريق ويبدد الظلام، امضِ -يا ولدي- مستعينًا بذاتك وحبك في أن تكون عنوانًا يستحق خلافة الأرض وتكريم السماء.