تجري استعدادات الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص القوائم الانتخابية، إضافة إلى لجنة الانتخابات على قدم وساق لاستقبال يوم 22/5/2021 بما يجعله عُرسًا ديمقراطيًّا يليق بنضال الشعب الفلسطيني المتواصل طوال قرن من الزمن، لكن بموازاة هذه الاستعدادات تبرز إشارات قوية على أن صاحب القرار، أو محتكر القرار فيما يتعلق بإجراء الانتخابات، يعيش حالة من القلق بشأن ما ستؤول إليه العملية الانتخابية، هل ستُجدد له شرعيته بما يسمح له السيطرة على خمسين في المئة زائد واحد من أعضاء البرلمان؟ أم أنها ستُعطي الأغلبية البرلمانية مرة أخرى لخصمه السياسي؟ ما هي أبرز هذه المؤشرات على حالة القلق المتزايد؟ ولتوضيح المقصود سنعرض هذه المؤشرات من خلال مجموعة من النقاط.
أولًا: يبدو أن قيادة حركة فتح قد فقدت الثقة بقدرتها على إقناع الناس بأن في جعبتها ما تُقدمه لهم، حتى على الصعيد المعيشي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن شعار السيد محمود عباس وحركة فتح في الانتخابات السابقة في 2005 للرئاسة، وفي 2006 للمجلس التشريعي، كان الشعار حينها (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، أما اليوم فحركة فتح تُطلق على قائمتها الانتخابية (فتح العاصفة)!
هل هذا التغيير في العنوان الرئيس للحملة الانتخابية يعني إجراء حركة فتح مراجعات فكرية وسياسية؟ وتوصلت من خلالها إلى نتيجة تفيد بأن مسيرة الشراكة مع الاحتلال قد وصلت إلى نهايتها، وأنه حان الوقت للعودة إلى نهج العاصفة المتمثل في الكفاح المسلح؟! في الحقيقة لا توجد مؤشرات تجعل المراقب يميل للاعتقاد بأن حركة فتح استخلصت العِبر، وبناءً عليه يُرجّح أن قيادة حركة فتح لا تملك ما تُقدمه للناس في هذه المرحلة، وتريد أن تتكئ على التاريخ الكفاحي في الحصول على تأييد الناس، وفي نفس الوقت فإنها غير مطمئنة هذه المرة إلى ثقة الناس بقياداتها وبأطروحاتهم السياسية ووعودهم الانتخابية.
ثانيًا: لقد وصل الحال بالطبقة السياسية التي تسيطر على حركة فتح إلى درجة من التشظي غير مسبوقة، والمراقب من بعيد يُدرك أن التيارات الثلاثة التي شكلت قوائم انتخابية لا يوجد بينها أي خلافات سياسية على الإطلاق، فجميعهم يؤمنون بالمفاوضات والتنسيق الأمني وإقامة دولة على حدود 1967، مع إمكانية لتبادل أراضي مقابل بقاء الكُتل الاستيطانية الكبرى.
رغم كل هذا الاتفاق على "المشروع السياسي"، إلا أنهم غير قادرين على تسوية خلافاتهم الشخصية، ولا يستطيعون الاتفاق على تقسيم مغانم ومواقع السلطة فيما بينهم، بل إن كل طرف يريد الاستئثار لذاته بالكعكة كاملة.
ويمكن القول إن الفريق الرسمي في قيادة حركة فتح يريد الاستئثار بكل شيء، وهذا يتطلب منه حرمان منافسيه من الحصول على الشرعية، الأمر الذي يجعله يُفكر بإلغاء الانتخابات، أو تأجيلها على طريق إلغائها، أو تزوير الانتخابات، وإسقاط المنافسين من داخل فتح، وبالتالي حرمانهم من الحصول على شرعية انتخابية، لكن التأجيل أو التزوير لا يمكن اللجوء إلى أي منهما بسهولة، بل يتطلب ترتيبات كثيرة، وقد لا تكون في متناول يد قيادة حركة فتح.
ثالثًا: توجد تصريحات وأخبار ترد من الضفة الغربية تشير إلى أن ترتيب طواقم مراكز الاقتراع تم بطريقة مقصودة، بحيث جرى اختيار أغلب رؤساء مراكز الاقتراع من حركة فتح، وفي ظل الحديث عن مقاطعة المنظمات غير الحكومية للرقابة على الانتخابات، وكذلك عدم تمكن المراقبين الدوليين من الدخول بفعل الرفض الإسرائيلي، فإن هذا الأمر يُعطي انطباع أن عملية التزوير قد تكون ميسرة وسهلة لو قررت قيادة فتح ممارسة التزوير.
رابعًا: ورد على لسان أكثر من شخصية مقربة من حركة فتح أو رئيسها السيد محمود عباس تصريحات تُفيد بأن عملية التأجيل لا يمكن أن تتم إلا من خلال عملية توافقية بين الفصائل، وتكرر هذا الحديث من عدة أشخاص، الأمر الذي يشير إلى عملية تهيئة للرأي العام لقبول فكرة التأجيل من خلال التوافق، والمقصود بالتوافق هو حصول السيد محمود عباس على موافقة حركة حماس على هذا الأمر.
خامسًا: تتناثر معلومات بشأن ذهاب شخصيات مقربة من السيد محمود عباس وأبنائه إلى الولايات المتحدة، وذلك للحصول على دعم أمريكي لتأجيل العملية الانتخابية، حتى لا تأتي نتائج الانتخابات معاكسة للرغبات الأمريكية، وسبب طلب الدعم الأمريكي يرجع إلى خشية محمود عباس من ردة فعل أوروبية، لو تم تأجيل الانتخابات، قد تصل إلى قطع المساعدات المقدمة للسلطة.
سادسًا: تناقلت وسائل الإعلان تصريحات من رموز فتحاوية مقربة من السيد محمود عباس، إضافة إلى تصريحات الرئيس نفسه عن موضوع مشاركة المقدسيين، والتشديد على أنه لا يمكن إجراء الانتخابات إلا إذا وافق الإسرائيليون على إجرائها داخل البلدة القديمة في مدينة القدس، وفي هذا أكثر من تلويح بتهيئة الرأي العام لإمكانية تأجيل الانتخابات، وإن كان هذا الأمر صعب، وسيكون مكلفًا بشكل كبير لحركة فتح.
سابعًا: وتجدر الإشارة إلى أن إصدار محمود عباس مرسوم الانتخابات بعد موافقة حماس على كسر التزامن بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إضافة إلى القرارات التي اتخذها السيد محمود عباس بشأن القضاء، وبعد ذلك بشأن المؤسسات غير الحكومية وطريقة إدارتها، إضافة إلى القرارات المتعلقة بوقف الانتخابات النقابية، كل هذا يُشير إلى أن محمود لن يذهب إلى انتخابات بأي ثمن، ولن يذهب إليها إلا إذا ضمن نتائجها مسبقًا، وهذا أمر غير متوفر حتى هذه اللحظة.
وبناءً عليه فإن محمود عباس يقف أمام أحد احتمالين، فهو إما أن يؤجل الانتخابات، وهذا يتطلب الحصول على موافقة حماس، وتقديم تنازلات لها في ملف المصالحة فيما يتعلق بالموظفين وإنهاء العقوبات ...إلخ، وكذلك الحصول على موافقة الإدارة الأمريكية حتى لا توقف المساعدات الأوروبية، وإما أن يلجأ إلى تزوير الانتخابات لضمان نتائجها.