يُمثِّل الشباب قطاعًا واسعًا من شريحة الناخبين الفلسطينيين في الانتخابات التي حدد موعدها في شهر مايو القادم، ويعتمد المرشحون على وجود متضررين كُثُر بين هؤلاء الشباب، ويتوقعون أن تتوجه أصوات هؤلاء المتضررين إليهم.
أعتقد أن النظام السياسي الذي تجرى الانتخابات لتجديد شرعيته غير قادر على خدمة هؤلاء الشباب، وهذا يرجع إلى خلل بنيوي في هذا النظام ناقشناه في مقال سابق، ولهذا لا يُتوقع من المرشحين تقديم شيء جوهري للشباب، بعد الانتخابات، بغض النظر عن مدى صدق النيات الذي يتمتع به هؤلاء المرشحون.
هل يعني ما تقدم أنه لا يوجد ما يمكن فعله لمصلحة الشباب في هذه اللحظة؟ دون شك: لا، إن هذه اللحظة أي قبل إجراء الانتخابات بالغة الأهمية في تمكين الشباب من وضع أنفسهم على طاولة الاهتمام الوطني الفلسطيني، لكن هذا يتطلب أن ينظم الشباب تحركاتهم بطريقة تُمَكِّنَهم من الضغط على الطبقة السياسية في كل الفصائل، ويُجبروها على التقدم خطوات على طريق خدمة الشباب، ومن أجل خدمة هذا التوجه يحاول هذا المقال طرح مجموعة من الأفكار والاقتراحات التي من شأنها تمكين الشباب، وتحويلهم إلى قوة فعل حقيقية ومؤثرة في الساحة الفلسطينية:
أولًا: يجب التوقف عن نمط الحراكات الشبابية الذي ساد العقد الماضي، وكان حراكًا رافضًا للواقع، ينزل إلى الشارع دون خطة أو رؤية، يتحمس ويجمح إذا وجد تفاعلًا شعبيًّا واسعًا، ويتراجع إذا ووجه بفتور شعبي، إضافة إلى كونها حراكات مشتتة الاهتمامات، وموزّعة على النواحي الوطنية (مثل المقاطعة ومناهضة التطبيع، أو رفض الاستيطان)، وذلك بهدف فضح الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، والجوانب السياسية (مثل إنهاء الانقسام) وذلك بهدف إحراج القوى السياسية الرئيسة، والجوانب الاجتماعية الاقتصادية مثل (البطالة، والكهرباء ... إلخ) زفراتِ ألم، وتفريغًا لطاقة مكبوتة.
إن هذا التشظي أربك الحراكات الشبابية وأوهنها، وجعلها أكثر قابلية للاحتواء أو الاختراق أو القمع، وفي النهاية لم يتمكن الشباب من إقناع الناس بقدراتهم، فضلًا عن الالتفاف حولهم ومنحهم الثقة.
ثانيًا: يجب أن تتأسس الحراكات الشبابية على أساس رؤية، لا تقتصر على رفض الواقع، بل تسعى لبناء شيء واضح وحقيقي وقابل للفعل والتأثير المتواصل، ويمكن في هذا المجال العمل على دعوة مختلف القوائم المرشحة للانتخابات للمساهمة في التبرع وجمع التبرعات الآن من أجل تأسيس صناديق لتمكين الشباب تُجمع فيها أموال من رجال أعمال، ومن زكاة الأموال، خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان، ومن الفلسطينيين في الخارج، لبناء مشاريع اقتصادية للشباب، بعيدة عن هيمنة السلطة، وتتشكل إدارتها من الشباب أصحاب الكفاءة والاختصاص، وكذلك العمل وتوزيع الأرباح، وفقًا للأصول والقوانين المراعاة في بلادنا.
ثالثًا: تشكيل تنسيقيات شبابية تهتم بالتواصل مع المؤسسات الاقتصادية الكُبرى (بنوك واتصالات وغيرها)، وتحديد مجموعة من المطالب التي تستطيع أن تقوم بها هذه المؤسسات في إطار مسئوليتها الاجتماعية، ومطالبتها بالمساهمة في تشغيل الشباب، أو تمكينهم من الحصول على أعمال تليق بمستوياتهم المعرفية والمهنية، وفي هذا المجال يجب العمل على تحشيد القوائم الانتخابية للقيام بدور، يوثَّق من حيث الفعل والنتيجة، في الضغط على هذه المؤسسات حتى تقوم بمسئوليتها الاجتماعية.
رابعًا: تشكيل شبكات عمل من أجل إحصاء إمكانات وزارة الأوقاف، وكيف يمكن الاستفادة منها في خدمة شريحة الشباب، على صعيد التشغيل أو الاستثمار، إذ يمكن القول إن وزارة الأوقاف تمتلك الكثير من الأصول الثابتة التي يمكن أن تُدر أرباحًا أفضل بكثير مما هو قائم الآن، وإن كان من المتعذِّر زيادة الأجور؛ يجب مطالبة المستفيدين من أراضي وممتلكات الأوقاف بتشغيل أعداد من الشباب مقابل الأجور المنخفضة التي يدفعونها أُجرة لأراضي أو عقارات الأوقاف، خاصة في المجالات التي تُدرُّ أرباحًا معقولة على المنتفعين منها.
خامسًا: تشكيل تنسيقيات شبابية للعمل على التواصل مع الجاليات الفلسطينية، ومع أصدقاء الشعب الفلسطيني في الخارج، والتشبيك في مجال إيجاد فُرص عمل للشباب، عن بُعد من طريق الإنترنت، أو عبر السفر إلى الخارج، هذه التنسيقيات الشبابية يمكنها التواصل مع أبناء الجاليات ورجال الأعمال الفلسطينيين والأكاديميين والمثقفين، وعرض ما لدى الشباب الفلسطينيين من خبرات، وليكن شعارها: (دعه يعمل دعه يمر)، هذا كل ما نريده، لا نريد مساعدات، بل نريد أن نعمل بما نمتلكه من مهارات ومعارف، وحينها سنتبرع نحن لكل فقراء العالم كما فعل أسلافنا في السابق.
سادسًا: تشكيل صناديق لرعاية وكفالة الشباب في مراحل الدراسة والتأهيل، خاصة مع انتشار الفقر، وانعدام فُرص العمل للآباء، وفي هذه اللحظة يجب أن تنشط الكُتل الطلابية لكي تُرغم كل القوائم الانتخابية على وضع أموال في صناديق دعم الطلاب، من هذه القوائم ذاتها، أو من تبرعات تجمعها هذه القوائم، ولا شك يجب توثيق عملية الدفع بالصوت والصورة، حتى لا يلجأ المرشحون إلى الادعاء أنهم قاموا بهذا الواجب، في حين الأمر عكس ذلك على أرض الواقع.
سابعًا: رابطة أبناء المتضررين من العقوبات التي فُرضت على غزة: من قُطع راتبه، أو انتُقص منه، أو تضرر راتبه التقاعدي بسبب إجراءات الفصل التعسفي، أو الشباب الذين حُرموا فُرص التشغيل؛ كل هؤلاء يستطيعون تشكيل رابطة أو تنسيقية، ومطالبة القوائم الانتخابية باتخاذ إجراءات الآن بإجبار جهة الاختصاص على الاعتذار والتراجع عن كل ما قامت به، وإعادة الحق لأصحابه كاملًا.
هذه اللحظة هي الأكثر ملاءمة للعمل على فرض الشباب على طاولة القضايا الوطنية، وإذا أضاعوها فسيكون عليهم الانتظار سنوات كثيرة، لقد هُمِّش الرأي العام سنوات طويلة، ولم يشعر القادة أنهم بحاجة للإصغاء لنا؛ لأنهم جرّدونا من كل الأسلحة، أما الآن فبأيدينا ما نستطيع أن نقاتل به؛ فهل سنفعل؟!