المخاوف التي يعبر عنها الجميع من عدم إجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية وكذا انتخابات المجلس الوطني كلها حقيقية، فمفجرات المسار الانتخابي كثيرة والشواهد عليها متعددة، فقد شهدنا سابقًا عدة مرات تعطل الانتخابات وتفجر مسارها بناء على طلب ورقة ضمانات مكتوبة مليئة بالاشتراطات التعجيزية، أو نتيجة تشكيل رئيس السلطة المحكمة الدستورية بقرارات أحادية، وهي التي تمتلك صلاحيات تمكنها من إلغاء نتائج كل العملية الانتخابية، أيضًا عدم تشكيل محكمة الانتخابات يعد مفجرًا متعدد المراحل، فهي المخولة البت في الطعون الانتخابية التي لا تخلو منها عملية انتخابية حتى في أرقى الديمقراطيات بالعالم، وغير ذلك العديد من عمليات الحماية والتأمين والتنفيذ بين غزة والضفة.
وكلٌّ متفق على وجود ملفات انتخابية كبيرة بحاجة لمعالجة وطنية بين الفرقاء لضمان الوصول إلى يوم الاقتراع في 22 مايو 2021م، منها ملف المحكمة الدستورية وأهمية تحييدها، إن لم يُعَد تشكيلها على أسس مهنية وتوافقية، وملف مشاركة المقدسيين بما تمثله القدس من المعنى السياسي عاصمة للدولة الفلسطينية، وملف الأمن والحماية الذي يستند إلى توافقات فصائلية صريحة تعطي الحق الكامل لعمل الأمن في غزة والضفة وفق الوضع الحالي والمستمر منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007م، ولا شك أن تشكيل لجنة الانتخابات يمثل ضابطًا لمسار انتخابي طويل من التدقيق في الطعون التي عادة ما تكون بالآلاف قبل يوم الاقتراع وبعده وفقًا للنظام الانتخابي الفلسطيني.
صحيح أن الحوار الوطني في القاهرة سينتج عنه توافق على تفاصيل العملية الانتخابية، لكنه سيفضي بالضرورة إلى شكل "التحالفات الانتخابية" لتشكيل القوائم الانتخابية بين الفصائل.
الجهد الفني للجنة الذي تقوم به لجنة الانتخابات المركزية من إعداد قوائم الناخبين والمرشحين وآليات الرقابة الداخلية والخارجية، إضافة إلى التنسيق لتكامل الأدوار مع الجهات الإدارية والأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليس معزولًا عن الحوار الوطني المرتقب للفصائل الفلسطينية في القاهرة يوم 5 فبراير 2021م، وقد بات واضحًا أن اللجنة مضطرة للتعامل مع الظروف السياسية الفلسطينية التي بالضرورة تؤثر في أدائها الفني والتخصصي، وهو ما أكده رئيس اللجنة د. حنا ناصر في مؤتمره الصحفي في 16 يناير 2021م عقب إعلام المرسوم الرئاسي تحديد مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، وللتذكير إن الإشراف على انتخابات المجلس الوطني ليست من صلاحيات لجنة الانتخابات المركزية.
من المهم أن يدرك الجميع أنه لا أحد ضد الانتخابات، لا فلسطينيًّا ولا عربيًّا ولا دوليًّا، لا المواطن الفلسطيني يرفضها ولا الفصائل ترغب في عرقلتها، ولكن هناك اشتراطات سلبية من الأطراف التي لا تريد للمواطن الفلسطيني أن يختار بحرية على أساس البرنامج الوطني والطموح السياسي، وثمة من يحاول أن يشيطن الفصائل لمصلحة "المستقلين"، وكأن المشهد الفلسطيني غير واضح سياسيًّا، أو أن "المستقلين" غير معلومة انتماءاتهم السياسية أو الفكرية لدى المواطن، أو أن وطيس "الدعاية الانتخابية" سيبقي مستورًا لن يكشفه أو مخفى لن يفضحه سياسيًّا!
لا أحد يمكنه تجاوز الفصائل ولا الفصائل ترغب في تحييد المستقلين، فكلٌّ يتنافس لتحقيق أفضل النتائج وفق برنامجه السياسي والوطني الذي سيعرضه على الناخب الفلسطيني، فالإرادة الشعبية هي ما ستنتصر، وعلى الجميع أن يحترم النتائج.
من المؤكد أن حماس لن تخسر الانتخابات لتعود إلى ما قبل 2006م ولن تفوز فتح لتتجاوز 14 عامًا من التحول الكبير في موازين القوة الداخلية والإقليمية، إن الفصيلين الأكبر فلسطينيًّا يدرسان شكل من الشراكة الانتخابية يمنح كلًّا منهما طوق نجاة للخروج من حالة الانقسام، حركة فتح برئاسة أبي مازن تريد قائمة مشتركة مع حركة حماس لتتجاوز مهددات انتخابية داخلية، بالمقابل حركة حماس منها من يريد القائمة المشتركة ليضمن وصول قطار الانتخابات الديمقراطي إلى يوم الاقتراع بسلام، وإلا فقد لا نصل إلى محطة الانتخابات الرئاسية ثم المجلس الوطني.
حتى إن حركة الجهاد الإسلامي التي كانت تعارض المشاركة في الانتخابات التشريعية سنوات طويلة أصبحت تدرك أن الطموح في المجلس الوطني يجب أن يمر عبر مسار التشريعي ثم الرئاسة فقط، وبذلك يجب تمرير انتخابات التشريعي وفق مقاربات ذاتية ووطنية تتجاوز عقدة "سقف أوسلو” وتحديات وزن الكتلة التصويتية، إلى رجاحة الشراكة الوطنية التي قد تمنح الحركة رجحة وطنية انتخابية، تحديدًا من حركة حماس.
ليس أحد مضطرًّا للتنبؤ بحتمية نجاح الانتخابات من عدمها، لكن ما يجب التركيز عليه هو أن الخروج من حالة "الفوضى الوطنية" يمر عبر نفق الانتخابات، وأن مصطلح "تجديد الشرعيات" لا قيمة له أمام حاجة الشعب الفلسطيني إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة الوطنية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل ليل نهار من أجل زيادة الضغط على القضية الفلسطينية، ويدعم التحديات الخارجية والمهددات الداخلية.