مهما كانت أجندات الفصائل الفلسطينية واشتراطاتها على طاولة الحوار الوطني في القاهرة، والذي يتوقع أن ينطلق الشهر القادم (5 فبراير 2021)؛ إلَّا أن المواطن الفلسطيني لديه مطالب لا تتطابق تمامًا معهم! فالمواطن الفلسطيني بعد 14 عامًا من إدارة تلك الفصائل للانقسام ينتظر نهاية لتلك الحقبة المظلمة. فقد سلبته الكثير من الطمأنينة الحياتية، وبددت أحلام آلاف الشباب في مستقبل ملؤه العمل والفرص والطموح، وزرعت مآسي قد تحتاج إلى سنوات من الرفاهية لتمحوها وربما لا تستطيع.
تظهر استطلاعات الرأي أن ثلث القوة الانتخابية لا تزال لم تحسم أمرها لصالح أي من الحركتين الأكبر واللتين تقودان مشروع المقاومة (حماس) ومشروع المفاوضات (فتح)، إضافة إلى قابلية تلك القوة للاستجابة للاستقطاب الانتخابي الناتج عن الدعاية الانتخابية، كما لا يمكن تجاهل مفاجئات "التصويت الانتقامي" الذي لا تخلو منه أي انتخابات في العالم، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية.
إذا لم تستمع تلك الفصائل إلى نبض الناخب أو تجاهلت طموحه كمواطن يرغب في "التغيير" -بكل ما يعنيه التغيير من معنى- فإنها ستدفع ثمنًا سياسيًا كبيرًا قد يبدأ من عدد المقاعد في المجلس التشريعي وربما يطال "شرعيتها" التاريخية و"النضالية". فالتغيير لا بد أن يشمل الوجوه والبرامج، وجوه الانقسام وشخصياته التي قد تمثل شؤم الطالع عند بعضهم، وبرامج العمل السياسية والاجتماعية التي لا بد أن تمنحه الأمل في وطن يسوده القانون والعدالة الاجتماعية.
لن يقبل الناخب من يتجاهل حلمه بالحرية والاستقلال، حرية من الاحتلال وطغيانه واستقلالًا من التبعية لإرادة الآخرين. قد لا يعنيه ديباجة الخطاب حول مشروع السلام على أساس المفاوضات ووعوده التي أدرك وهمها وزيفها، أو شرح مبادئ المقاومة وأهمية الصمود، بقدر ما يعنيه أن يكون هو سيد الوطن الذي ضحى من أجله وسيضحي، إلى أن يعيش فيه حرًّا بلا احتلال أو استغلال.
هذا كله لا يعني أن المواطن لا تهمه ملفات الحوار الساخنة سواء شكل مشاركة أهل القدس في الانتخابات، أو تشكيل محكمة الانتخابات وضمان تحييد المحكمة الدستورية من التدخل السلبي، أو تشكيل القوائم الانتخابية المشتركة، أو حتى مسؤولية الأمن وحماية العملية الانتخابية، وكذلك لجان الإشراف على الاقتراع في المراكز الانتخابية، وغيرها من الملفات التي مثلت في السابق قنبلة فجرت مسار الانتخابات خلال السنوات الماضية. فالمواطن يدرك أنه كأي ناخب أمام برامج انتخابية ستقدمها قوائم انتخابية متنافسة، وكل قائمة ستخطب وده وتطمع في صوته لصالحها، كما يدرك أنه صاحب قضية وطنية تحتاج إلى قيادة تشريعية وحكومية قادرة على تعزيز صموده في وجه الاحتلال واعتداءاته. يريد من يحمل همومه ويبحث عن حلول لمشاكله الحياتية اليومية، ومن يحمي نضاله وتضحياته على طريق الحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس!
لا يمكن تجاهل أن نحو 2 مليون ناخب لا يمكن أن يمنحوا أصواتهم إلى قائمة واحدة مهما كانت كبيرة أو شاملة، فالتعدد النوعي والعمري والفكري بالإضافة إلى الانتماءات السياسية المتناقضة أحيانًا، تجعل من الإجماع حالة مستحيلة، فما تطلبه النساء غير ما يريده الرجال، وما يطمح إليه الشباب غير ما يريد المحافظة عليه الشيوخ، وما يطلبه الفكر المحافظ غير ما يناضل من أجله التحرّريون. كما أن الكتل التصويتية الحزبية تستنفر نفسها ذاتيًا لصالح الانتماء السياسي في مقابل الخصوم وبرامجهم، وربما -التهديد- الذي قد يشعر به البعض!
مهما كان جدول أعمال الحوار الوطني في القاهرة فإنه يجب ألَّا يتجاهل ما يطلبه المواطن الفلسطيني لضمان حياة كريمة في وطن حر، مع إدراكنا جميعًا أن من حق أي قوة سياسية أو اجتماعية -بحسب القانون- أن تقدم نفسها أمام الناخب الفلسطيني بما يخدم برنامجها، ولكن أي من تلك القوائم لن يكون من السهل تجاوزها نسبة الحسم 1.5% على مستوى الوطن مهما حصدت من متابعين على حسابات السوشيال ميديا، أو تلقت تعليقات على منشوراتها الفيسبوكية. فوطن تحت الاحتلال لا يمكن أن تخدمه برامج رفاهية لا تحميها إرادة المقاومة.