الشكُّ غير الظن. الظن فيه رجحان لإحدى الكفتين. والشك تساوٍ بين الكفتين، ولا ترجيح بينهما. وسؤال الناس المتكرر اليوم في غزة بعد صدور مراسيم الانتخابات هو: هل حقا ستحصل الانتخابات في المواعيد التي ضربتها المراسيم؟
الناس متشككون، لذا يسألون عن اليقين، ولكن لا يقين في الساحة الفلسطينية في هذه المسألة. والمتابعون لهذه المسألة ينضحون من خبراتهم فلا يتجاوزون حالة الشك إلى الظن مثلا، أما اليقين فهو عندهم منعدم.
هذه الحالة المرضية والضبابية هي نتاج عوامل عديدة وتجارب ماضية. على مدى خمسة عشر عاما بحث الفلسطينيون عن الانتخابات، وطالبوا بها استحقاقا وطنيا وشعبيا، وأخذوا وعودًا من القادة مرة بعد مرة، ولكن لم تُجرَ الانتخابات، وتبخرت الوعود، ومع بخارها تلاشت الثقة بما يقوله القادة في هذه المسألة، وهذا العامل ربما هو من أهم عوامل حالة الشك القائمة الآن.
إنه إذا كان ثمة شك في هذه الحالة رغم خطوة المراسيم والمواعيد بسبب تجارب الناس مع قادة السلطة والفصائل، فإن عاملا آخر يزيد من حالة الشك، ويتمركز بين الخبراء والمحللين، حيث يرون أن أطرافا نافذة لا ترغب في إجراء الانتخابات، ويشير بعضهم إلى الرئيس عباس، حيث يقولون إن الرئيس أصدر مراسيم الانتخابات لأنه يريد أن يستقبل العلاقة مع جو بايدن بأحضان ديمقراطية، تبعث الحنان في نفسه وعاطفته لإعادة المساعدات الأميركية للسلطة، أي أصدرها وهو غير راغب فيها، وما يقال عن العلاقة مع بايدن يقال مع الاتحاد الأوروبي.
إذا كان ما يقال عن العلاقة مع بايدن والاتحاد الأوروبي صحيحا فإن دعوة الانتخابات لا تنبع من قلب، ولم تتمخض عن يقين بها كاستحقاق، فإذا أضفنا لما تقدم قول الخبراء: إن المشكلات بين فتح وحماس وغزة والضفة، التي أعاقت الانتخابات فيما سبق ما زالت هي نفسها قائمة، ولم تجر أيدي المتخاصمين عليها حلا مقبولا، لا لكلها ولا لبعضها، وهي مشكلات عميقة قد تزيدها الانتخابات تنازعا، وقد لا تمثل الانتخابات لها رافعة.
هل هذه العوامل المتداولة في الصالونات، وبين أفراد الشعب كافية لبناء حالة الشك المذكورة آنفا، وتعميمها على غالبية الناس، أم أنها عوامل بهتت بطول الزمن ولا يعول عليها؟ ولكن الشعب الفلسطيني شكاك بطبيعته وفطرته، بسبب حالات عدم اليقين التي حكمت حياته بُعيْد النكبة وحتى تاريخه. الأمر لكم، فما فتواكم؟