فلسطين أون لاين

تقرير الخبز في غزَّة... لقمة العيش بعيدةً المنال

...
الخبز في غزَّة... لقمة العيش بعيدةً المنال
الوسطى - نبيل سنونو:

ضاقت السبل بالنازحة ختام الكفارنة التي تخوض رحلة كفاح يومي للحصول على الخبز أو الدقيق لإطعام أطفالها لقمة العيش الأساسية في ظل حرمانها من مقومات الحياة الأخرى كالخضار واللحوم والفواكه.

واصطفت ختام مع طفلها أمام أحد المخابز الذي يستبدل الخبز بالدقيق في دير البلح وسط قطاع غزة، بعدما تمكنت من الحصول على حفنة دقيق لا تكفي ليوم واحد من شقيقتها التي اقتنته بعناء شديد.

ومع عدم توفر الدقيق في الأسواق المنهكة بسبب حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتشديد الحصار ومنع وصول المساعدات فإن المواطنين ومعظمهم نازحون قسرا لا يجدون سبيلا لتوفير الخبز.

وببؤس جلي على وجهها المثقل بملامح التعب، تقول ختام لـ"فلسطين أون لاين": أواجه صعوبة كبيرة للحصول على رغيف خبز للأولاد في وقت يباع فيه كيس الدقيق زنة 25 كيلوجرام إن وجد بنحو 500 شيقل وهي تسعيرة غير رسمية.

وتتكون أسرة ختام من ستة أفراد إضافة إلى ابنتها وهي أرملة شهيد وحامل، وتقيم حاليا في خيمة نزوح.

وإذا نجحت ختام في الحصول على الخبز فإنها تقلص حصة كل فرد منه إلى نصف رغيف لتتدبر أمرها طوال اليوم.

ولم تستلم ختام حصتها من الدقيق في دورته الثالثة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وذلك منذ إجبارها على النزوح مجددا من رفح جنوب القطاع إلى دير البلح.

وعن ذلك تقول المواطنة النازحة أساسا من بيت حانون شمال القطاع: منذ 10 أيام أحضر لاستلام الدقيق ولكن يقولون لي إنه غير متوفر.

وفي قرار رفض دوليًا وفلسطينيًا حظر "كنيست" الاحتلال مؤخرا وكالة أونروا بعد سلسلة من الاستهدافات لمنشآتها وموظفيها في قطاع غزة.

وتقول ختام: منذ ثلاثة أيام لم تفتح المخابز التي كانت تبيع ربطة الخبز بثلاثة شواقل أبوابها نتيجة الأزمة القائمة.

وكان المواطنون يحصلون على الخبز من تلك المخابز بصعوبة بالغة في ظل الاكتظاظ والازدحام الشديد على أبوابها.

وتضيف: كنت أضطر لشراء ربطة الخبز بـ20 أو 30 شيقلا من البعض لعدم مقدرتي على الحصول عليها بالسعر الرسمي، رغم شح المال.

وعلى باب أحد المخابز وسط القطاع كانت جهات مختصة تحارب ظاهرة بيع بعض المواطنين الخبز بغير الأسعار الرسمية.

ومع غياب الخبز، تحاول ختام الحصول على الأرز والمعكرونة أو الحمص المعلب لكنها تجد صعوبة في ذلك.

"لما ينقطع الخبز يكون حالنا سيئا للغاية ولا يوصف.. الولد بياخد علبة الحمص المسلوق إذا وجدها وبيقعد ياكلها وبيقول جعان وأنا مفش اشي أطعميه ياه"، تتابع بصوت متحشرج.

ودمر الاحتلال منزل أسرة ختام في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في بيت حانون.

*مشوار يومي*

وأمام أحد المخابز فشل مسن في الحصول على الخبز، لكونه لا يملك دقيقا.

وقال المسن لـ "فلسطين أون لاين": إنه أراد شراء خبز بخمسة شواقل لكن طلب منه القائمون على المخبز توفير الدقيق واستبداله وفق ما هو معمول به لديهم.

وبالتسعيرة غير الرسمية للدقيق الشحيح لا يكفي هذا المبلغ لشراء رغيفين من الحجم الكبير.

وفي شوارع دير البلح يعرض شبان على من يملك دقيقا مصابا بالسوس شراء الكيس الواحد زنة 25 كيلوجرام بـ100 شيقل.

وفاقم الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني منذ مايو/أيار وتلاعبه بحركة دخول البضائع والسلع والمساعدات للقطاع عبر حاجز كرم أبو سالم التجاري معاناة الغزيين المنهكين بحرب الإبادة.

وخلال أكتوبر/تشرين الأول وبذريعة ما تسمى "الأعياد اليهودية" أغلق الاحتلال حاجز كرم أبو سالم وشدد قيوده، وتوقف دخول الشاحنات الإغاثية والتجارية، ما سبب انعكاسات مباشرة على قوت الغزيين.

وتفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بأن كمية الإمدادات التجارية والإنسانية التي دخلت القطاع في سبتمبر/أيلول كانت الأدنى منذ مارس/آذار 2024 على الأقل، ولاحظت أن هذه الحالة يتوقع أن تشهد قدرا متزايدا من التدهور.

وكانت حاجة القطاع اليومية قبل الحرب تزيد على 500 شاحنة محملة ببضائع وسلع متنوعة كانت تدخل عبر "كرم أبو سالم".

وفي الثامن من الشهر الجاري، أصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إنذارا أعربت فيه عن قلقها إزاء "الاحتمال الوشيك والكبير لحدوث المجاعة، بسبب الوضع المتدهور بسرعة في قطاع غزة".

وفي جلسة لمجلس الأمن الشهر الجاري، قالت مساعدة الأمين العام لحقوق الإنسان راين بولسون: "نشير مرة أخرى إلى أن استخدام تجويع السكان المدنيين كوسيلة للحرب، محظور تماما بموجب القانون الدولي".

وتطال المعاناة أيضا الخمسيني عطا أبو علبة النازح من حي الشيخ رضوان بغزة إلى دير البلح.

وبات الرجل مجبرا على البحث عن الخبز أو الدقيق لأسرته المكونة من ثمانية أفراد في مشوار يومي شاق.

يقول لـ "فلسطين أون لاين": إنه اضطر لشراء كيس طحين زنة 25 كيلوجرام بـ360 شيقلا قبل أسبوع يكفيه فقط لـ10 أيام وقد ارتفع ثمنه غير الرسمي إلى 500 شيقل حاليا، وكان الله في عون من لا يستطيع شراءه.

ويتساءل عطا الذي يعمل في القطاع الصحي: عندما يغيب الخبز وهو أساس الغذاء كيف سيتحرك المرء ويسند نفسه؟

وقبل الحرب كان يعتمد على المخابز لتوفير احتياجه من الخبز، لكنه في خضمها وجد نفسه مشتتا بين أفران الطينة في مخيم النزوح والأفران التي تستبدل الخبز بالدقيق.

يتمم حديثه: "نواجه حاليا المتاعب.. توفير الخبز فيه صعوبة وهو الأساس الذي يجب تدبيره يوميا"، لافتا إلى غياب الخضار والفواكه واللحوم وغيرها.

وهكذا يظل الغزيون بين مطرقة القصف وسندان التجويع والتعطيش ما استمرت فصول حرب الإبادة في ظل الصمت الدولي المطبق.