لكل بيئة تجربتها الخاصة، وما يصلح لبيئة ما قد لا يصلح لغيرها، لذا فإن فكرة الإسقاط التلقائي لتجارب الآخرين على بيئة فلسطين ليس عملًا صحيحًا، ويفتقر للمنطق، وللتاريخ الذي يحدثنا عن صفات شخصية خاصة بكل أمة وبكل شعب. ولكن الصواب يكمن في أنه من حق كل بيئة أن تأخذ بعضًا مما يناسبها من تجارب البيئات الأخرى على قاعدة: الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها.
هذه المقدمة الفكرية أثارها قول محدثي إن تجربة الحركة الإسلامية التونسية هي التجربة التي يجب على غزة الأخذ بها، وهو ربما كان يشير إلى تراجع حركة النهضة عن كرسي القيادة كي تتفادى المؤامرات الداخلية والخارجية.
والقول عندي هو ما جاء في مقدمة المقال بأن فلسطين يمكنها أن تأخذ من التجربة التونسية ما يناسب بيئة فلسطين التي تختلف عن البيئة التونسية، لا سيما في دائرة الاحتلال والمقاومة، ويمكن للحركة الإسلامية في فلسطين أن تأخذ من التجربة التركية، والتجربة السودانية وتجارب الأمم الأخرى، ولكن من الخطأ محاولات الاستنساخ لتجربة ما.
التجربة التونسية ليس فيها عمق التربية التي في التجربة المصرية، والتجربة التونسية فيها تقارب مع الحزبية الغربية، والإدارة السياسية الديمقراطية، وتعاني الحالة المصرية ضعفًا في هذه الأمور ذات العلاقة بالحكم.
قادة التجربة المصرية دعاة من الطراز الفريد، وهم في مجال الحكم تنقصهم الخبرة والتجربة بحكم بيئتهم الإقصائية التي يعانون بسببها الأمرين على امتداد مئة عام خلت. لذا يمكن أن تأخذ مصر ما يفيدها في هذه الدائرة من تجارب الآخرين في تركيا والسودان وإيران وتونس.
ويجدر في كل تجربة أن يدرك قادتها أن التجربة ذات مكونات داخلية، وأخرى خارجية، وعليه فإن الضغوط الخارجية على التجربة التونسية تختلف في الحجم عن الضغوط التي تتعرض لها التجربة المصرية، أو التجربة الفلسطينية، بل إن الضفة تتعرص لضغوط عدائية تفوق ما تتعرض له غزة.
ونختم وجهة نظرنا الفكرية بما بدأنا به وهو: إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، والمؤمن كيّسٌ فطِنٌ، لا كيس قطن. وتجارب الأمم تجارب أغيار لا ثبات فيها ولا خلود!