مع بداية كل عام، وفي لحظة صفاء مع النفس يعكف أشخاص على إحصاء أهدافهم التي حققوها، وتلك التي أخفقوا فيها، ليخرجوا بقائمة جديدة من الأهداف للعام الجديد، والتي قد تكون محفِّزةً للسير نحو النجاح بخطى واثقة، فكيف نحدد أهدافًا جديدة للعام القادم، ونتعامل مع الأهداف التي أخفقت الأوضاع بتنفيذها كجائحة كورونا؟
الاختصاصي النفسي د. إبراهيم حمدان يشير إلى أن الأهداف هي أمل المستقبل التي يستمد منها الفردُ الأملَ والدافع لتحقيق طموحات المستقبل.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "على كل فرد أن يجلس مع نفسه، ويكتشف ذاته وما لديه من طاقات وإمكانات وخبرات، ويدرس الواقع، ويضع الأهداف بما يتناسب معه، ويأخذ بعين الاعتبار عوامل القوة والضعف في شخصيته، ومتغيرات الحياة والظروف والوقائع على الأرض، ويضع بدائل تكون في الحسبان؛ حتى يستطيع تجاوز الصعوبات والمعيقات".
ولذلك، هناك مجموعة من الخطوات العلمية والعملية في وضع الأهداف وكيفية تحقيقها، ولا بُدَّ أن يكون الهدف مناسبًا لطموحات الشخص، وواقعيًا للتنفيذ وليس خياليًّا، مع دراسة مكونات الشخصية، وما يملك من قدرات وطاقات وإمكانات، وفق حمدان.
ويلفت إلى أهمية وجود الاستعداد والدافع والحافز لتحقيق الأهداف بعد الإيمان بالله والتوكل عليه، والعمل على تجزئة الأهداف على مدار العام، حسب الخطة الشهرية اللازمة لتحقيقه، ووضع بدائل في حال التعثر والإخفاق، والبعد عن التشاؤم والإحباط.
ويبيِّن حمدان ضرورة الاستفادة من خبرات الآخرين وأخذ الدروس المستفادة، ووضع جدولة زمنية لتحقيق الأهداف، والتعاون مع الأفراد الآخرين لتحقيقها ولزيادة فرص العمل الجماعي بروح الفريق، مع الجد والاجتهاد والمثابرة وعدم الاستسلام.
ويؤكد ضرورة تنمية وتطوير الذات باستمرار، عبْر التدريب والتعليم والتعلم والممارسة العملية، مع توقُّع العقبات والصعوبات وكيفية مواجهتها، والتعامل معها بأقل الخسائر، والعمل على ترتيب الأهداف حسب ما تحتاجه من وقت وجهد وأدوات وإمكانات، من السهل إلى الصعب ومدة تحقيقها.
ويتابع حمدان: "كما لا بُدَّ من التقييم والتقويم المستمر لتفادي الأخطاء وتلاشيها، والبناء المستمر على نقاط القوة ومعالجة وتعديل نقاط الضعف، والمرونة في تناول الأهداف وتحقيقها، وعدم التعنُّت والصدام مع الذات والواقع".
وفي حال تعثر الشخص في تحقيق أهداف العام الماضي بسبب ظروف كجائحة كورونا، ينبِّه إلى أنه لا بُدَّ من إعادة جدولتها ووضعها على أجندة العام الجديد، وحسب الأولوية بين أهداف العام الماضي والحالي، والاستفادة من الظروف والمعيقات ووضعها في الحسبان.
ويضيف الاختصاصي النفسي: "لذلك لا بُدَّ من توقُّع المفاجآت والمعيقات والصعوبات وكيفية التعامل معها وتسخيرها لصالح تحقيق الأهداف، والاستعانة بأصحاب الخبرات والناجحين الذين تجاوزوا الجائحة بكل تميُّز وإبداع".
لكن، هل عدم تحقيق الأهداف يؤثر على النفسية؟ يجيب: "قد يصاب الشخص بإحباطٍ ويأْسٍ وابتعادٍ عن طريق النجاح، واستسلامٍ للفشل، وبُعدٍ عن التخطيط، وتعامُلٍ بعشوائية مع الواقع والمستقبل، وإهمالٍ للذات وعدم تطويرها، والركون للماضي، إضافة إلى ضعف الشخصية وغياب الرؤية للمستقبل وغيرها".
ولتجاوُز ذلك، يشير حمدان إلى أنه لا بُدَّ من شحذ الهمم، وترتيب الحياة، والتعامل بجدٍ وموضوعية ومرونة مع الواقع والمستقبل، ومصاحبة أشخاص مميزين وناجحين تجاوزوا الصعوبات والمعيقات في تحقيق الأهداف؛ للاقتداء بهم والتأثر بتجاربهم، والتخلي عن التفكير السلبي.
ويوصي بإعادة ترتيب الأولويات لتحقيق الأهداف حسب الواقع، ومراعاة أي متغيرات ذاتية أو بيئية، والاطلاع والقراءة والتدريب والتعلم والإبداع والتميُّز يكون الهدف الأسمى، والتقييم المستمر، وخلْق بدائل وخطوات وإجراءات علمية وعملية؛ لتفادي أي فشل قبل وأثناء وبعد تحقيق الأهداف، من أجل أخذ العبر والدروس للعام الحالي والقادم".
الاحتياجات الشخصية
من جهته، يؤكد اختصاصي التنمية البشرية صابر أبو الكاس أنه لا بُدَّ من تحديد الأهداف التي يود الشخص تحقيقها، سواءً كانت قصيرة المدى أو متوسطة أو بعيدة، بناءً على الاحتياجات الشخصية.
ويلفت في حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى أن هناك هدفًا عامًّا، وأهدافًا فرعية جزئية تصب بالهدف الرئيس الذي تتفرع منه الأنشطة المطلوبة لتحقيق الأهداف.
ويبيِّن أبو الكاس أن تحديد أهداف العام الجديد تكون بعد العودة للأهداف التي وُضعت للعام الماضي، ومعرفة ما لم ينجَز منها، ليدرس سبب الإخفاق في تحقيق بعضها، حتى لا يقع في الخطأ نفسه، ومعرفة العادات والأنشطة التي كانت تسرق من الشخص وقته، والتخلص منها حتى لا تؤثر سلبًا على حياته وإنجازاته.
ويقول: "نبدأ في تحقيق الأهداف البسيطة والسريعة، لكونها تعطي دافعًا وحافزًا، ثم ننتقل للأهداف الكبرى، لأن الإخفاق فيها قد يسبب الإحباط والعجر والتوقف عن الاستمرارية في المحاولة".
ويضيف أبو الكاس: "في أثناء تنفيذ الأهداف يمكن إضافة أخرى، والبحث عن الاحتياجات الأهم فالأقل أهمية، ومطلوبٌ تحقيق الأهداف التي تُعدُّ إنجازًا للشخص، كأهداف متعلقة بالعملية التعليمية والعمل على تقويتها لتطوير الذات، أو العمل والوظيفة، أو الحياة الصحية كالإقلاع عن التدخين، وإنقاص الوزن".
وينصح بألا تكون الأهداف عشوائية، ويجب أن تكون محددة بفترة زمنية، وقابلة للقياس، والتحقيق من علاقة الهدف بالموضوع وتماشيه مع المخطط له، وألا يكون غامضًا.