"منذ خطبتي أدركت أن زوجي شديد الغيرة، وحريص جدًّا على معرفة كل شيء يتعلق بي وبأسرتي، في البداية سرني ذلك، فقد ظننت أنه من قبيل التعلق والحب الشديد، فكنت شديدة الصراحة معه فلم أخفِ عنه معلومة يسأل عنها، ولكن بعد الزواج بدأت أشعر بأنه يضرب قيودًا حولي ويخنقني: من اتصل بك؟، ماذا قلتما؟، ماذا حدث مع أختك؟، لماذا تريد والدتك السفر؟، مع من تحدثت خلال دوامك اليوم؟، من دخل مكتبك؟، هل كان هناك مراجعون رجال؟، ماذا أرادوا تحديدًا؟ ... إلخ من الأسئلة التي لا تتوقف.
لا أدري الآن ماذا أفعل أو كيف أضع له حدًّا بعد أن اعتاد التنازل من طرفي والتساهل أمام تحقيقاته، فإن حاولت الآن التهرب من إجاباته، تراه يغضب بشدة، ويخاصمني، ويدَّعي أنني لا أثق به، وأني أظن أنه سيُفشي أسرار عملي، حاولت توضيح الأمر، ولكن دون فائدة، فهل أستمر فيما أنا عليه وأحتمل ما يسببه لي من أذى نفسي، أم أتوقف وسينتج عن ذلك نكد وخلافات لا أول لها ولا آخر؟".
الصراحة والصدق بين الزوجين من أهم أسس نجاح العلاقة الزوجية، فعلى هذا الأساس تُبنى الثقة التي يمكنها أن تعالج أي مشكلة بين الطرفين، والصدق المتبادل يمنحهما شعورًا بالأمان، والمصارحة تدفع إلى مزيد من الثقة التي تشكل أغلى ما يمتلكه الزوجان، والتزام كل طرف بالصراحة منذ بداية حياتهما معًا أثبتته تجارب الحياة الزوجية، وفي المقابل الكذب يبني حاجزًا قويًّا ومنيعًا بين الزوجين ويقصِّر عمر العلاقة بينهما، أضف إلى أن صدق الوالدين أمام أبنائهما يغرس في نفوس الأبناء الثقة بهما والأمان معهما، في حين يزعزع الكذب ثقة الطفل بأبويه، ويدفعه إلى اللجوء إلى أساليب الخداع والمراوغة ليصل إلى غايته.
والثقة لا تعني الغفلة، ولكنها تعني الاطمئنان الواعي، ويعزز ذلك الحب الصادق والاحترام العميق، ولكن، هل تكون الصراحة بين الزوجين مطلقة؟، هل لأحد الزوجين أن يطالب الآخر بمعرفة كل شيء عنه قبل الارتباط به وبعده؟، هل يحق له أن يفرض على الآخر أن يمدَّه طوال الوقت بمعلومات عن أدق تفاصيل حيته، ليتحكم من طريقها في شؤون شريكه؟، وهل يحق لأحد الطرفين أن يُخفي بعض الحقائق التي يرى أنها لا تضر بالحياة الزوجية ولا علاقة لها بها، ليختصر على نفسه خلافات ومعاناة هو في غنى عنها؟
الزوج الذكي لا يطلب من زوجته أن تقص عليه تفاصيل حياتها السابقة، وإن طالبها بذلك فعليها ألا تستجيب، فمن حقه أن يعلم عنها كل شيء ويسأل عن أي شيء قبل الارتباط بها، وليس بعد ذلك، والشيء نفسه ينطبق على الطرف الآخر. فمطالبة أحدهما بسرد قصة حياته وسؤاله عن تاريخه السابق، لن يكون لها من فائدة حاليًّا سوى غرس بذور الفرقة فيما بينهما: من أحببت؟، ومع من خرجت؟، وعرفت منْ؟، وغيرها من الأسئلة التي تنذر ببداية انتهاء العلاقة.
الصراحة ليست شيئًا مطلقًا بين الأزواج، وهي تتمثل في مصارحة كلا الزوجين للطرف الآخر بما لا يضره ولا يجرح مشاعره، ويجب أن يكون لها حدود حتى لا تؤدي إلى تدمير الأسرة، خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة، فصحيح أن الزوجين يكمل كلٌّ منهما الآخر لكن علينا ألا ننسى أنهما شخصان مختلفان في الوقت ذاته، وأن لكلٍّ منهما أسرارًا من حقه الاحتفاظ بها لنفسه فقط، خاصة تلك التي تتعلق بحياة كلٍّ منهما البعيدة عن المنزل والأسرة والأبناء، مثل علاقته بالأهل والأصدقاء؛ فللأهل والأصدقاء أسرار خاصة لا ينبغي أن يفشيها للآخرين، لاسيما أن معرفتها لن تنفع الطرف الآخر، بل ربما تضر بهما وبأهليهما.
الزوجان اللذان يريدان الحفاظ على أسرتهما عليهما أن يكونا ذكيين بشأن ما يجب إفشاؤه وما يجب الاحتفاظ به في السر، حتى يحافظ كلٌّ منهما على ثقة الآخر واحترام أهله في آن واحد، وهذا لن يسمى كذبًا، ولو عرف الطرف الآخر المعلومات من مصادر أخرى فهذا لا يضير، ولن يؤثر سلبًا في علاقتهما، وعليه تجنب توجيه اللوم لشريكه لإخفاء هذه المعلومات عنه.
انتبه: التضحية بالصفات والأسرار الفردية يمكن أن تؤثر سلبًا في هوية الإنسان، وفي العلاقة أيضًا.