مرت ليالٍ وأيام طويلة والإعلام العربي مشتغل ومشتعل بقضية مصيرية ومهمة جدا، محللون وخبراء يدلون بالآراء، وبرامج مفتوحة، وساعات بث لم تنقطع، كل ذلك كان مخصصا لهدف واحد.. ليس الحديث عن أزمة الكهرباء، ولا أزمة نقص الغذاء، ولا حتى كورونا.. بل للحديث عن الانتخابات الأمريكية.
سيادة الإعلام العربي
ما توصل إليه سيادة الإعلام العربي فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية خلال استضافته كبار المحللين، جملة من الآراء منها أن "أمريكا ستشهد حربا أهلية، خاصة وأن الأسلحة باتت منتشرة بين جميع أفراد الشعب"، ومنهم من قال "إن هناك ميليشيات تظهر بين الناس بالشكل العلني"، "أمريكا من الداخل مهزوزة، وبها شرخ كبير جدا"، "حتى هذا الوقت منذ 200- 300 سنة لم تستطع أن توجد مجتمع متجانس، ولا حتى تزرع ثقافة حب ودعم وجذب بين أفراد مجتمعها"، "ثقافتها ليست حقيقة، تملك ثقافة الانتقام من الشعوب".
الحرب الأهلية في أمريكا قد تأكل الأخضر واليابس، إذ بدأ أفراد المجتمع بشراء الأسلحة وتشكيل الأحزاب والميليشيات، لنسمع بعد برهة تلك المسميات تطفو على السطح "نسور تكساس"، "صقور واشنطن"، "لبؤات جورجيا"، "لواء صمود فلوريدا".
الإعلام العربي الذي أدلى بتحليلاته أن الولايات المتحدة الأمريكية على شفا حفرة من اشتعال حرب أهلية ومواجهات من ميليشيات إثر فوز بايدن على منافسه ترامب، هو الإعلام ذاته الذي يعرض حرب سوريا بتحليلات دون نتائج، وقضايا الفلسطينيين دون حلول..
لن تأكل نار الحرب أمريكا، فقد شبعت من أجزاء عدة في الوطن العربي.
الانتخابات العربية
تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم التي شهدت صمودًا رئاسيًّا، إذ تشهد الدول العربية بقاء الرؤساء في الحكم لفترات تصل إلى ربع قرن، أو حتى الوفاة، لكن هذا لا ينفي أن هناك دولا عربية مارست انتخابات رئاسية كمصر، والجزائر، وتونس والسودان، وفلسطين، ولبنان، وسوريا.
الحقيقة ليست في ضرورة إجراء انتخابات رئاسية فحسب، إنما أن تكون هذه الانتخابات ذات نزاهة وشفافية، فالانتخابات الرئاسية العربية لم تخلُ من كونها صورية وديكتاتورية، كذلك قوانينها لم تخل من قيود وشروط قانونية، أو يغلب عيلها طابع سياسي.
يمكن اتخاذ اتجاهين لهذه الانتخابات، الأول كما يُعتقد أن قيود وشروط القوانين الرئاسية لها دور أساسي في عدم تداول رئاسة الدولة بين أكثر من رئيس، دول عربية كُثر أنهت جولة الانتخابات لكنها لم تُنهِ الجدل والصراع حولها.
والاتجاه الثاني الذي حول أصابع الاتهام في هذه القضية من الحكام إلى الشعوب ذاتها، الحكام ميؤوس منهم، غير صالحين، والشعوب غير ناضجة ومهيأة لوجود ديمقراطية حقيقية، تنقصها ثقافة الديمقراطية، لذا لا بد للشعوب أن تصحو وتتوحد لتتحرك كي لا تُزور الإدارات في نتائج الانتخابات على وجه الخصوص، وبالشعوب الواعية يسقط الحكام.
الانتخابات الأمريكية
في عام 2016 فاز ترامب بالرئاسة الأمريكية، وفي كل أربع سنوات تذكرنا أمريكا بالصمود الرئاسي العربي، فاللحظات التي تسبق إعلان رئيس أمريكي جديد تحبس أنفاس العالم أجمع؛ لمعرفة الصبغة التي ستلون باقي الدول أأحمر جمهوري، أم أزرق ديمقراطي؟، ولأن هذا المصارع –ترامب- لا يقبل الهزيمة، فقد سقط في انتخابات 2020 لكنه حقق فوزًا بتطبيعٍ ساحق في السعودية والإمارات.
وعد ترامب بهجرته حال فوز بايدن، فهل ستفتح إسرائيل أذرعها له خاصة وأنها سجلت مستوطنة باسم ترامب في الجولان المحتل، وأي مصير ينتظر العرب بفوز بايدن؟ وعلى أي حال سيرسى الفلسطينيون على وجه الخصوص؟
سيناريو بايدن
الحقيقة واحدة وهي أن سياسة الولايات الأمريكية بشأن إسرائيل واحدة لا جدل فيها، فالحفاظ على علاقة قوية متميزة مع إسرائيل هي مصلحة وهدف أمريكي دائم، لكن الاختلاف يكمن في الاستراتيجية المتبعة، إذ انتهج ترامب استراتيجية صارمة، وانحيازا صريحا تمحور في ما سماه "صفقة القرن"، من اعترافه كخطوة منفردة بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف المساعدات الأمريكية إلى الفلسطينيين.
على النقيض، فمن المتوقع أن بايدن ينتهج استراتيجية دبلوماسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فعلى الرغم من دعمه الكامل لإسرائيل إلا أنه سيمثل حلًّا للفلسطينيين، بدءًا بإعلانه إعادة استئناف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وإعادة الجانبيين –الفلسطيني والإسرائيلي- لطاولة المفاوضات، كما أنه مؤمن بفكرة حل الدولتين، أما فيما يتعلق بغلق السفارة الأمريكية في القدس، فالقرار متخذ في أوساط أمريكية قديمة ترجع إلى عام 1995، لكن الإدارات الحاكمة المتتابعة أوقفت تنفيذه، وبوجود ترامب قد نفذ القانون فقط، لذلك فإن إغلاق السفارة يحتاج إلى قانون آخر، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات لإقراره، لذلك فمن المتوقع أن بايدن سيعيد فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي أغلقها ترامب، تلك هي خطوات رمزية لأجل خلق توازن سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
الضعف الفلسطيني الظاهر، والخذلان الذي تعرض له الفلسطينيون مع كل الإدارات الأمريكية منذ النكبة في 1948، إلى الوقت الحالي، ظهر ذلك جليا بوجود إدارة ترامب وما تبعها من تطبيع صريح للدول العربية مع الاحتلال، ومن المتوقع أن يتعزز هذا الوضع بوجود بايدن، ولا يبدو ثمة أفق واضح لإيجاد إدارة أمريكية تضمن للفلسطينيين أبسط حقوقهم.
الفلسطينيون يملكون حق رفض التوقيع على أي تنازلات واتفاقيات لا تخدمهم ولا تخدم قضيتهم، وهذا ما يدعم ضرورة تغير الخطاب السياسي الموجه للحكومات، ومخاطبة الشعوب، والتأكيد على الحق المشروع في الكفاح، واللحمة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وكذلك تعلم مخاطبة الحكومات الأمريكية، وعدم قطع الروابط بينها وبين الفلسطينيين؛ لما للإدارات الأمريكية دور كبير في القضية الفلسطينية حتى لو لم نتفق مع ما تريد.