حيال الولادة بالجسد، تطلق الطبيعة صرخات، تمزق أنياب النَفسِ اللحم البشري، تصعد الروحان إلى السماء استغاثة أن يُقضى الصراع لصالح الحياة.
تمتزج الدماء بالدموع، يصرخ ولا يزال مرتبطًا بحبل سري، تُخرج المرأة جنينها من رحم محدود إلى عالم رحب، تُسكن الكفوف الكبيرة أنامل صغيرة، تلتقي صرخاتهما في فضاء شاسع لتسقط ابتسامة الفرح من سماء الاستغاثة بمجيء إنسان جديد إلى الحياة.
في تلك اللحظة يتبدل الضيق إلى سعة، ويتبدد الدمع ليفسح طريقًا حقيقيًّا للفرح، تلك هي ولادة نص من عمق الروح.
اللغة هي نقطة التوازن لتلك السطور المرصوصة التي لا يحيد عنها القلم، معادلة صعبة بين رفد الصحافة للأدب، أو رفد الأدب للصحافة، جدل مثير كحوارات القلب والمنطق، يحمل القلب بين حجراته الأدب وبين ثنايا المنطق تُحمل الصحافة.
تسير قدمي نحو عالم مخيف ويشدني من يدي عالم مثير، والجمع بين عالمين من الخوف والإثارة في طريق واحد سلاح ذو حدين، فحروف الصحافة بسيطة، مباشرة ولا تحمل الألحان، ليس كالأدب الذي لا تُرسم حروفه إلا بتقاسيم العود.
علمني الأدب العمق والرشاقة، الاحتراف والتميز، أن أستخرج حروفي من عمق بحار اللغة، أن أحترف عقد اللفظ باللفظ كقلادة اللؤلؤ، أن تلمع حروفي من زحمة الكلمات كقمر ساطع في ليلة ظلماء، علمني الأدب صحافة بِلونٍ جديد من الإبداع.
المعاناة، واستنزاف العقل والنفس، ومخاض الفكرة تلك هي طبيعة الأدب، فقد علمتني المعاناة صاحبة الجلالة الاهتمام بالصعاب التي لا تنتهي، وللإنصاف فإن صاحبة الجلالة لها الفضل الأكبر على الأدب.
علمتني السير نحو عقول وقلوب البشر على اختلافها، أطلعتني على حياة لم أقرأها في الكتب، والمزج بينهم يكون هشًّا، مهجنًا وفانيًا أو معقدًا ومقصورًا على فئة دون الأخرى، وكلاهما مطرح يحتفي وراءه العديد، ويكشف يومًا بعد يوم عن عالمه.