ذَكَر أحد أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي على صفحته أنه استمع إلى خطبة جمعة لأحد الخُطباء تحدث فيها عن عذاب النار وعذاب القبر، وقال بما معناه: لماذا نتبع أسلوب التخويف بدل أسلوب الإقناع؟! والحقيقة أنني لا أدري هل ذكر الخطيب في خطبته أيضاً نعيم الجنّة والقبر كما ذكر العذاب أم لا؟ على أي حال فهذا ليس موضوعنا وإن كان سبباً في كتابة هذا المقال لتوضيح أسلوب من أساليب البلاغة في القرآن الكريم وهو أسلوب "التقابل" ومنها الترغيب والترهيب.
فالقرآن الكريم كتاب دعوة في الأساس، وهذا الأسلوب من أنجع الأساليب في الدعوة والتربية؛ لاعتماده على عنصري الثواب والعقاب، اللذين علم الله (تعالى) من طبيعة البشر أنهما يشكلان حافزاً قويًّا؛ للإقبال على كل ما هو نافع، والإحجام عن كل ما هو ضار، وتنشيط وتحفيز عباده المؤمنين على طاعته والاستمرار عليها وتثبيط الكافرين والمنافقين والفاسقين عن المعاصي والحد منها وصولاً لطريق الرشاد وإنقاذ العباد من النار ودخول جنة الرحمن بسلام، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وهذا هو التوازن النفسي الذي تستقيم معه النفس البشرية فلا إفراط ولا تفريط، ولا خوف دائم أو رجاء دائم.
ولو تتبعت آيات القرآن الكريم لوجدت أنه يجمع بين الترغيب والترهيب في صور متعددة فتارة يأتيان في آية واحدة، مثل: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، وتارة في آيتين، أو مجموعة آيات:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (*) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
والأمثلة كثيرة جداً ولا يمكن حصرها لأنها في كل القرآن الكريم، وهذا الأسلوب يجب أن ينتبه إليه كل خطيب أو داعٍ أو مربٍ وألا يركّز في كلامه على جانب واحد فقط ويؤجل الكلام عن الجانب الآخر لخطبة أو درسٍ آخر بل يجب الجمع بينهما في نفس الوقت، مع مراعاة التقديم والتأخير بين الخوف والرجاء حسب حالة المدعو إليه وذلك إتباعاً لمنهج القرآن الكريم ومنهج الأنبياء والرُسل، قال الله (تعالى): {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
وهذا الأسلوب من أساليب التربية والإدارة الناجحة في التعامل مع الأبناء والموظفين والعاملين، أسلوب التوضيح والإقناع والثواب والعقاب، فيجب أن نقول للمحسن أحسنت ونكافئه، ونبيّن بالحكمة والموعظة الحسنة لمن أخطأ ونعطيه فرصة أخرى لتقويم الخطأ فإن تمادى ولم يكترث فيجب أن ينال العقاب المناسب الذي لا قسوة فيه تقنطه من الرجوع ولا تساهل يطغيه.