فلسطين أون لاين

"سرير الأسرار"

"سرير الأسرار" هي الرواية الأولى للروائي المغربي البشير الدامون، صدرت في عام 2008 عن دار الآداب البيروتية. تدور أحداث الرواية في أحد الأزقة الفقيرة المهملة من مدينة تطوان التي أجاد الكاتب وصفها حتى تشعر معه وكأنك تعيش في أحدها وتعرفها حق المعرفة. تطوان المدينة المغربية العريقة ذات الطابع المعماري الأندلسي، والتي ما فتئت تحتفظ بعطر التاريخ العربي الإسلامي بين ثناياها، تحنو عليها غفوتها على ساحل البحر المتوسط على سلسلة جبلية مرتفعة وتزيدها رونقاً وتضاعف من مصاعبها والتحديات التي تقف في وجهها.

تُحكى الرواية على لسان بطلتها التي عبرت الرواية وخرجت منها بغير اسم، ويبدو أن الأمر كان مقصوداً ليقول لنا كاتبها أن هذه الأحداث لا تخص أُنثى بعينها، بل تراها تنال من إناث كُثر، وجدن أنفسهن في الدرك الأسفل من مكان موبوء لا دخل لهنَّ فيه، لأننا عادة لسنا نحن من نختار أهلنا وأنفسنا ومكان سكننا ولا حتى ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية.

اكتفت فتاتنا بأن تحكي قصتها المؤلمة التي تحرك في القارئ المشاعر الإنسانية تجاه الفئات المهمشة والفقيرة والتي باتت كثرة لا يُستهان بها في وطننا العربي، ويا ليت الفقر فقط هو ما أحال عيشها كدراً وضيقاً!

بلغة سلسة، ملتزمة، لا تتناول الألفاظ القبيحة كتب الدامون روايته هذه، رغم قُبح المكان الذي تدور فيه، والفئة التي تسلط عليها الضوء. "داركم دار بغايا" بهذه العبارة الصادمة تبدأ أحداث الرواية على لسان الطفلة سعيدة والتي يرفض أهلها أن تلعب مع راوية الرواية. لتليها الصدمة الثانية بأن" ماما زاهية" ليست والدتك.

تسرد القصة تفاصيل العالم السفلي الذي تكثر فيه البلطجة، والسُّكر، والدعارة، والسرقة، والاغتصاب، والنميمة، والتآزر الاجتماعي في الملمات في الوقت ذاته، دون أن يُستثنى من ذلك طفل أو امرأة أو كبير في السن. وحتى عندما تناولت الرواية المشاعر التي فاضت في نفس الراوية تجاه فتى وسيم، سرعان ما لفظه عقلها بملء إرادتها رغم أن قلبها ظل ينبض بمشاعر فياضة تجاهه حدتها إلى رفض البطل الشجاع عليْ، كان ذلك برومانسية رقيقة عُذرية، لم يقترب من الفُحش والابتذال كما هو حال عدد لا يكاد يُحصى من الروايات الأخرى.

رغم أن الدار الكبيرة التي يتقاطر عليها الضيوف لشراء البغاء، كانت أحد الأبطال المكانيين إضافة إلى الحارة والمقبرة، إلا أن الرسالة الواضحة الناصعة التي يتلقفها فكر القارئ وخاصة عندما تكون أنثى هي: ابتعدي عن ما قد يشوه طهرك وعفَّتك، حافظي على نفسك حتى لا تكوني الخاسرة الأكبر، فالضياع هو مصير من تنزلق في مهاوي مثل هذه الدار، والتي جاءت على لسان سي الأمين الشيخ الوقور:" اللهم باعد بينها وبين تلك الدار".

لم أستغرب على الكاتب تصويره للدار الكبيرة ومقدمات الخدمة فيها على أنهن نادمات على ما فرطن فيه، ويحذِّرن الراوية في أكثر من موضع في الرواية من السقوط كما سقطن هن.

الأمر الغريب في رواية البشير الدامون أنه ركز في الجزء الأخير من الرواية على الشاب الشجاع الشهم عليْ، الذي انتصر على الخنازير حين هاجمن حقول الذرة في القرية، بينما انهزم أمام صعلوك خطف خطيبته بملء إرادتها حين اختارت أن تهرب من البيت الذي احتواها طوال طفولتها، وآثرت إلى تفر إلى عالم سرق وهجه بصيرتها، مثل فتيات كثيرات غيرها ليؤول بهن المآل في بيوت مثل الدار الكبيرة، والجلوس في الأماكن التي لا تقبلها حرة لنفسها.

شطب الصعلوك وأتباعه وجه عليْ وبطنه، وفقأوا عينه، وعاهات أخرى.. كل ذلك سعياً لاسترداد كرامة أهدرتها من كانت خطيبته يوماً برغبة منها.. وتكون الصفحات الأخيرة من الرواية عبارة عن مرثية لعلي الذي دفع ثمناً غالياً لم يكن عليه أن يدفعه على هذه الشاكلة.