"إذا كان عدوك القاضي فمن هو غريمك" مثل ينطبق تماماً على قرار قضاء الاحتلال الإسرائيلي بطي ملف التحقيق ضد شرطي الاحتلال الذي أطلق النار قبل حوالي عام ونصف على الشهيدة هديل عواد، لتفجع عائلتها بها.
فالطفلة هديل (14 عاماً) التي أعدمت بدم بارد ليست الوحيدة، فسبقها عبدالفتاح الشريف، وهديل الهشلمون، والعديد من الشهداء الذين وثقت عدسات الكاميرات عمليات إعدامهم، كاشفة عن صفحات العنصرية الإسرائيلية المتجددة بطي الملفات لـ"عدم توفر الأدلة".
وأغلق قضاء الاحتلال في 25 إبريل/ نيسان الجاري ملف التحقيق في قتل الطفلة هديل، في خطوة رأى فيها حقوقيون تعبيرا عن تكامل أدوار مؤسسات الاحتلال الأمنية والقضائية، لتشكيل منظومة إسرائيلية واحدة تدعم عمليات القتل خارج نطاق القانون.
و يقول عبد الحميد عواد شقيق الشهيدة هديل، "لقد أظهر الفيديو عملية إعدام شرطي إسرائيلي لشقيقتي بإطلاق أكثر من 12 رصاصة، بعد أن أصابها بعيار ناري في قدمها".
ويشير إلى أن "هديل ونورهان" طلبتا إذنا من المدرسة للذهاب لشراء بنطال من أحد المتاجر بشارع يافا في مدينة القدس المحتلة "والجزء المقتطع من الفيديو الذي نشره الاحتلال هو حدوث اعتداء على شقيقته وابنة خالتها من قبل الشرطي".
ويوضح أنه وفي صباح يوم 23 نوفمبر 2015م، طلبت هديل، من والدتها مبلغ 100 شيكل لشراء البنطال، وخرجت من المدرسة أثناء حصة الفنون والحرف "والمقص الذي وجد في حقيبتها استخدمته بالحصة".
ولا يزال "عبد الحميد" متعجباً من منطق اتهام شقيقته بمحاولة تنفيذ عملية طعن "فكيف لفتاة صغيرة أن تذهب لتنفيذ عملية طعن بمقص؟!"، لافتاً إلى أن قضاء الاحتلال لم يضع أي اعتبار للكتاب الذي رفعته مدرسة "هديل" يفيد بأن الطفلتين خرجتا بإذن منها.
ويجزم "عبد الحميد" بعدم نزاهة قضاء الاحتلال ومؤسساته الأمنية، إذ لم يجر اعتقال الشرطي الذي دهس ثلاث فتيات فلسطينيات في منطقة سور باهر بالقدس قبل أيام، مدعياً بأن المنفذ يعاني من "اضطراب نفسي".
وكان شريط مصور قد أظهر الطفلة هديل وهي تمسك بمقص وتحاول الدفاع عن نفسها من المستوطنين الذين هاجموهما؛ قبل أن يسارع "الشرطي الإسرائيلي" إلى فتح سلاحه الرشاش على هديل، وابنة عمها نورهان، لتستشهد الاولى وتُصاب الأخرى بجراح بالغة، قبل الحكم عليها لاحقا بالسجن 13 عاما ونصف العام، بالإضافة إلى فرض غرامة مالية باهظة عليها.
حجة معاكسة
ويؤكد رئيس دائرة التوثيق بمؤسسة الحق لحقوق الإنسان تحسين عليان بأن الفيديو الذي نشر حول إعدام الشرطي لهديل، يمكن استخدامه لنقض الادعاء بعدم توفر أدلة على الجريمة، واستخدامه لتقديم حجة معاكسة لما ورد في حكم المحكمة.
ويقول عليان لصحيفة "فلسطين": "استنادا للفيديو الذي نشر من جانب الاحتلال الإسرائيلي، فإن عملية قتل الطفلة هديل تمت بشكل متعمد"، مبينا، أن حياة القاتل والمستوطنين الذين ادعوا أن حياتهم كانت مهددة، لم تكن تحت أي خطر يبيح لهم بموجب القانون اللجوء لاستخدام الذخيرة الحية.
وبموجب القانون الدولي يجوز استخدام الذخيرة الحية عندما يكون هناك خطر يهدد حياة جندي أو شخص آخر، وفي حالة الطفلة هديل هذا الشرط لم يتوفر، يوضح عليان.
ويضيف، بأن تبرأة محكمة الاحتلال الإسرائيلي لقاتل هديل "تضاف إلى عدد من القرارات التي تدلل على وجود سياسة إسرائيلية قضائية تسوغ قتل الفلسطينيين".
والمطلوب فلسطينيا، حسب عليان، استمرار المؤسسات الحقوقية في رصد وتوثيق الجرائم من أجل استخدامها في أية عملية مساءلة قانونية مستقبلية للاحتلال، وتقديمها كمعلومات للجنائية الدولية، وتوحيد الصفوف لمواجهة الاستيطان والإعدامات الميدانية ومصادرة الأراضي.
ويشير إلى أن مؤسسته تعمل على رصد إعدامات الاحتلال ضد الفلسطينيين، من أجل تسليمها كبلاغ لوقوع جرائم تقع ضمن اختصاص الجنائية الدولية.
وتفاقمت ظاهرة الإعدام الميداني التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الشبان الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة القدس، والتبرير دائما جاهز "نية الشبان تنفيذ عمليات طعن".
ومنحت عملية الإعدام الميداني للشاب مهند حلبي برصاص قوات الاحتلال، بادعاء تنفيذه لعملية طعن ليهود بشارع الواد بالقدس القديمة، الضوء الأخضر للمستوطنين للقتل، وتكرر المشهد في مواضع مختلفة بالضفة الغربية المحتلة.
ويعتقد الفلسطينيون أن هذه السياسة تهدف لترويع الشباب وإخماد الانتفاضة، دون أن تحقق أهدافها حتى الآن.