جريمة الزرقاء هزّت ضمير الملك وزوجه. الملك أمر بتوفير أفضل علاج لصبي الزرقاء. الزرقاء المدينة الأردنية الوادعة أفاقت قبل أيام على جريمة ليست مسبوقة. المجرمون ترصدوا صبيا في سن السادسة عشرة من العمر، واقتادوه لمنطقة خالية من السكان، وقطعوا يديه، وفقؤوا عينيه، وأصابوه بجراح مختلفة. الصبي الآن رهن العلاج، وبعد الشفاء يبقى عاجزا عن خدمة نفسه جيدا، فضلا عن خدمة أهله.
نعم، ثمة جرائم قتل متعددة، تحدث يوميا، ولكنها لا تؤلمنا ألم هذه الجريمة، ولا تثير حفيظتنا وغضبنا على نحو ما تثيره هذه الجريمة، وربما يرجع ذلك لأمرين أو أكثر: الأول لأنها تقوم على التمثيل والتشويه وإبقاء الألم في البيت ما بقي الصبي حيا عاجزا! والثاني أنها تعمدت التشويه، وكان يمكن الاستغناء عن ذلك بالقتل، والقتل في عرف المجتمع الأردني ربما أيسر على النفس من جريمة قطع اليدين وقلع العينين. والثالث أن المجتمع الأردني عرف القتل ثأرا أو عدوانا، ولم يعرف جريمة التمثيل بالأحياء، والانتقام من البريء وأسرته على الهوية.
نعم، أساس الجريمة قائم على عادة الثأر التي عالجها الإسلام بالقصاص، وجعل فيه حياة لأولي الألباب. وقد قرر الشارع الحكيم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وكل شخص مؤاخذ بعمله، ولا يؤخذ الأخ بعمل أخيه، ولا يؤاخذ الابن بعمل أبيه، ومن يتجاوز قواعد الشرع هذه فيقتل بريئا بزعم الثأر، يكون قد ارتكب مخالفتين كبيرتين: الأولى مخالفة الله فيما قرر وشرع وفيه رد لأحكام الله سبحانه، والثانية أنه قتل بريئا وأفسد أمن المجتمع.
لا عذر في قضايا القتل ثأرا، لأن القانون يلاحق القتلة المجرمين، والحاكم هو بمنزلة ولي الدم في عصرنا الحديث، وعادة الثأر من الجاهلية، وهي مفسدة لأمن المجتمع والحياة، فكيف يكون المجتمع آمنا إذا تجاوز المجرمون القتل إلى التمثيل والتشويه، ليثبتوا لأنفسهم أنهم من القوة والعصبية بمنزل يخيفون به أسر المجتمع وقبائله. وهو عمل في الحقيقة العميقة علامة ضعف لهم لا علامة قوة.
مثل هذه الجرائم التي هزت الزرقاء، والأردن عامة، وما جاور الأردن من بلاد، يمكن معالجتها بسرعة القضاء، وإيقاع عقوبة الإعدام بالمجرمين، على قاعدة في القصاص حياة، وإن طالت المدة. التحقيق والتقاضي يفقدان القضية رضا المجتمع، لا سيما أن الأردن الآن أمام قضية رأي عام، لا أمام قضية معزولة بين طرفين معزولين!