فلسطين أون لاين

كيف نحول محنة كورونا إلى منحة؟

...
غزة -هدى الدلو:

الأمراض عمومًا والمعدية على وجه الخصوص من المحن والأمور الضارة التي تلحق بالإنسان وتسبب له معاناة، وقد تكون سببًا في فقدان حياته، لكن هذه المحن يستطيع الإنسان إذا ألمت به أن يحولها إلى محنة وفرصة، وأمر إيجابي، وخير دليل حديث الرسول: "عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ".

الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يبين لصحيفة "فلسطين" أن الأصل في أي محنة أو مرض معدٍ أنه يحمل في طياته شيئًا من الإيجابية، من منطلق أن كل شيء في الدنيا يحمل السلبيات والإيجابيات.

ويقول مقداد: "أزمة كورونا ليست كما تظنون وأنها محض شر ونقمة وبلاء ومحنة، فلو نظرنا للأمر بموضوعية ففيها إيجابيات كثيرة ومنافع لكونها قدر الله يصيب به من يشاء وينجي منه من يشاء، يشفى منه بإذن الله من يشفى ويتوفى من يتوفى، ومع ذلك يجب أن يحتاط الناس منها، وألا يسخطوا وينكروا ويسبوا أو يلعنوا".

ويشير مقداد إلى أن من يصاب بهذا المرض فعليه أن يحتسب ويصبر ويعفو ليكون له أجر شهيد، إذ قال (صلى الله عليه وسلم): "والمطعون شهيد"، مضيفًا: "فهذا المرض الذي لم يعرف له العالم دواء عرفهم أن الدنيا عرض زائل ووهم وسراب، فذلك الفيروس الذي لا يرى بالعين يوقف حياة الناس فيها وينغصها عليهم؛ فلا تستحق أن تتصارعوا عليها كالوحوش في براريها".

ويوضح أن الجائحة علمت الناس الصبر والأناة وعدم التعجل، وأن الأهداف والمطالب الدنيوية يمكن أن تؤجل إذا كان إنجازها يلحق الخطر بحياتك؛ فلا تصبح الدنيا كل همك ولا مبلغ علمك، فهي قربت الناس ممن يحبون من أفراد أسرتهم، وجعلتهم يضبطون تصرفاتهم ويوثقون العلاقة بينكم وبينهم.

وينبه مقداد إلى أنها أظهرت دور المرأة في الحياة اليومية وكم تتحمل من جهد وأعباء داخل البيت وتعتني بالأبناء دون كلل أو ملل في زمن كورونا وقبل زمنها، ولذلك "استوصوا بالنساء خيرًا"، كما أنها منحت الناس وقتًا ليراجعوا أنفسهم ويستغفروا ذنوبهم، ويتقربوا أكثر من ربهم، ويتلوا الكتاب؛ ويحافظوا على الأوراد؛ ويستعدوا ليوم الحساب.

"كيد ضعيف"

بدوره يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "إن الله (تبارك وتعالى) ما كان ليخلق شيئًا ويأذن به ليكون كربًا مطلقًا ومحضًا لعباده وخلقه، حتى إبليس ذاته، فإنه نستطيع من زاوية أن نقول إنه ليس بالسرية المطلقة التي يتصورها الناس، فإن كيده ضعيف يخنس إذا استعاذ العبد بالله منه، وبذلك وجوده بوسوسته الخافتة يثير فينا عوامل التحدي لنكون من القوة والصلابة التي يريدها الله (تعالى) لهذا الإنسان الذي هو أغلى ما في الكون كله".

ويرى في حديث مع صحيفة "فلسطين" أن الأوبئة والأمراض ليست شرًّا مطلقًا، بل يمكن أن نشير إليها بما أشار إليه الشاعر "وربما صحت الأجساد بالعلل" و"رب ضارة نافعة"، فقد شهدت البشرية عبر تاريخها أوبئة فتاكة كالطاعون والكوليرا والأنفلونزا الأسبانية، ولكنها أصبحت اليوم في خبر كان بعد أن أتت على ملايين من البشر، ويصدق على وباء كورونا (كوفيد 19) ما يصدق على غيره من الأمراض القاتلة.

ويذكر قول النبي (عليه الصلاة والسلام): "ما خلق الله (تعالى) داءً إلا وخلق له دواءً، إلا السأم"، مضيفًا: "إن الله (سبحانه وتعالى) يريد من الإنسان أن يؤوب إليه".

ويتابع: "ذلك أن بذرة الفجور مغروزة في كيان الإنسان "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"، فما إن يمتلك الإنسان سببًا من أسباب القوة حتى يعلنها صراحة وبكل وقاحة (من أشد منا قوة)".

ويكمل أبو توهة: "مجالات القوة عند الإنسان قد تكون علمية وقد تكون مادية (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (غافر (83))، وقوله: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ .."، ومن هنا استحق الانسان أن يؤدب قهرًا ليعرف حجمه الضعيف الهش أمام الخالق (سبحانه)".

ويختم بقوله: "سبحان الله العظيم الذي قهر الإنسان بالذي لا يرى إلا بعد تكبيره آلاف المرات ليرى بالعين عير التقنيات الحديثة، ليقف الإنسان على مدى عظيم خلق الله (سبحانه) القادر على أن يبعث عليهم صيحة فتهلكهم فيكونوا أثرًا بعد عين، لكنه مخلوق لطيف ضعيف، وقد قيل (العدو إذا لطف عنف) فالذي تراه بعينك ربما تحذره فأما الذي لا تراه فأين الفرار، وإن كان من وجهة فإلى الله (تعالى) الذي بيده مقاليد كل شيء والذي يجير ولا يجار عليه".