في ذروة ما يمكن وصفه إنجازًا إسرائيليًّا كبيرًا يتمثل في اختراق جدار المقاطعة العربية، وتجاوز الفلسطينيين، وصولًا لأشقائهم العرب، لكن الإسرائيليين ما زالوا يتمنون الكثير من الأمنيات والأحلام في عامهم الجديد، وهي أمنيات لا تتوقف، وأحلام لا تنقضي، لأنهم قاموا على أنقاض شعبنا الفلسطيني، مما يجعلهم في حالة تطلع دائم، وأطماع لا تنتهي!
آخر التطلعات الإسرائيلية التي صرحوا بها، أن يكون لهم رئيس حكومة لا يبذر روحًا شريرة بينهم، لأنه منذ 12 عامًا، يواصل نتنياهو نشرها، مما أنتج دولة منقسمة وخاسرة، لا تثق بقيادتها، فريسة سهلة للجائحة.
هذه الأمنية تشمل حتى أنصار نتنياهو، الذين يتمنون ببساطة حياة مستقرة وهادئة وآمنة، وخالية من الفساد، يتمنّون لأنفسهم رئيس حكومة ليس "ساحرًا"، بل زعيمًا يتعامل ببساطة مع شؤون دولة الاحتلال، ويبذل قصارى جهده لمداواة جروحها، يتمنون حياة صافية يفتقدونها في "إسرائيل".
نتنياهو عوّد الإسرائيليين على أن كل شيء يلمسه يصبح غامضًا، معقّدًا في بعض الاهتمامات الكامنة والمتعرجة، أو في قاع مزدوج، صحيح أنه قد يبدو بنظر معجبيه وأنصاره مدهشًا في التحدث والإثارة، فضلا عن تحقيق إنجاز سياسي كبير ومهم للغاية مع دول الخليج، لكن الكثير من الإسرائيليين ما زالوا يشعرون بأنهم أجانب ومنفيون في دولتهم، يشعرون دائمًا بالاختناق، وصعوبة التنفس.
أكثر من ذلك، يعترف الإسرائيليون في عامهم الجديد أنهم باتوا مادة خام ممتازة لأي تلاعب، مادة ناعمة ومرنة لخلق دكتاتورية أشبه بديمقراطية أسسها نتنياهو، وهذا السبب في أن حركة الاحتجاج ضده منعشة ومشجعة وحيوية، لأنهم فجأة يسمعون خطابًا حادًّا وواضحًا، يخترق الأصداء الخادعة التي تغمرهم منذ سنوات، احتجاجًا يعيد إحياء الشعور فيهم بعد سنوات من الأكاذيب والمبالغات.
"إسرائيل" في عهد نتنياهو أصبحت دولة عاجزة، وغير مبالية، في وجه أنانيّته المفترسة، وفساده، لذلك من منطلق القلق عليها، وفقًا لآراء الإسرائيليين أنفسهم، فإن ما يصفونها بـ"المعجزة" التي أقامتها آخذة في التلاشي، ومن أجل ذلك يقفون أسبوعيًّا للتظاهر أمام مقر رئيس الحكومة في القدس المحتلة، وأمام منزله في قيسارية، ويواصلون الصراخ، ودعوتهم له: "اخرج من حياتنا، واذهب في طريقك".
لكنّ هناك شيئًا واحدًا واضحًا، أن الإصلاح المرجو لن يكون قادرًا على البدء طالما بقي نتنياهو في السلطة، فاستمرار حكمه يتناقض مع الإصلاح، ويحكم على "إسرائيل" بالمزيد والمزيد من الشرور، حتى مقرّبيه يشهدون أنه لا يستمع أبدا، إنه منفصل، ويعيش في فضاء لا يتناسب إلا مع نفسه.
أخيراً.. قد يُظهر نتنياهو القوة والتشدد والثقة بالنفس، لأنه يحب أن يرى نفسه "أب" الأمة، لكنه أب متلاعب، وساخر ومستغل ومستخدم، ومن المستحيل أن يشعر بصفات الشفافية والشفقة الحقيقية للإسرائيليين؛ لأنه السبب في تدهور ظروفهم بسبب إخفاقاته المتواصلة!