يحتار من راقب مهرجان التطبيع مع (إسرائيل) في البيت الأبيض: أي من المشاهد أو المواقف يجب انتقاؤه لوضعه في خانة الأكثر سوءاً. كل تفصيلة واكبت "الاحتفال" المبتذل كانت مفصلة على قياس الرئيس الأميركي دونالد ترامب أولاً، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثانياً. أما الوزيران، الإماراتي والبحريني، فكانا أقرب إلى الممثليْن الفاشليْن في أداء مهماتهما، وبشكل أدق كان الدور فضفاضاً عليهما. لم يعرف الوزير الإماراتي أين يوقّع النسخة العبرية من الاتفاق. استشار ترامب فخذله، ولولا مساعدة "بيبي" لما عرف أين يضع توقيعه على الورقة. كان يكتفي بتنفيذ ما طُلب منه. أما نظيره البحريني فكان وجوده عابراً. وبمجرّد انتهاء مرادهما سارع ترامب ونتنياهو إلى الابتعاد، تاركين خلفهما الوزيريْن المطبّعين للهرولة، واللحاق بهما على الدرج. بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين حققوا مبتغاهم.
لا تنفصل رداءة هذه المشاهد عن تفاهة مضمون اتفاقي التطبيع. لم تنفع ثرثرات المسؤولين الإماراتيين والبحرينيين في التبرير لهما. وحتى عندما حاولت أبو ظبي الادّعاء بأنها حققت "إنجازاً"، وساهمت عبر خطوتها في وقف مؤقت لضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، كان المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون يتسابقون على تكذبيها.
أما استحضار تعابير من قبيل "التعب من الصراع"، فهي قادرةٌ على جعل المرء يتلفت يميناً وشمالاً، والتساؤل لمن يتم توجيه خطبٍ كهذه. هل تعب حكام الإمارات والبحرين من الصراع مع (إسرائيل)؟ ما هو عدد الحروب التي خاضوها؟ متى جرت؟ كم جندياً ذهب في سبيلها؟ على أنه من الممكن أن تنطلي عملية بيع الوهم هذه. بالتأكيد، ليس على الأميركيين الذين صاغوا الاتفاق، ولا على الإسرائيليين الذين تمتد علاقاتهم بحكام الإمارات والبحرين عقودا. أما الفلسطينيون فما جرى ليس جديدا عليهم، لا المسؤولين منهم، لأنهم أكثر من يجيد توظيف العبارات لتبرير الأفعال، ولا المواطنين الذين اعتادوا الخذلان والتخلي عنهم.
قدّمت أبو ظبي هدايا مجانية لترامب ونتنياهو. الأول اقتنص الصفقة في التوقيت الذي يريده ويصب لصالحه قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية التي يستميت للفوز فيها، من دون أن يدفع أي ثمن. أما الثاني، الهارب من أزماته الداخلية، ومروّج نفسه أنه أفضل القادة في تاريخ (إسرائيل)، القادرين على إكسابها شرعية سياسية في محيطها الإقليمي، من دون تقديم تنازلات، فحصل على مبتغاه لو جزئياً.
ولم يكن ليصعب على ترامب ونتنياهو تحقيق أهدافهما من أبو ظبي والمنامة، لأسباب عدة، أهمها أن الحلف قائم بين الإمارات والبحرين من جهة و(إسرائيل) من جهة ثانية منذ سنوات، وما حدث في الأسابيع القليلة الماضية كان إخراجه إلى العلن فقط. وإن كان توقيت الخطوة مليئا بالدلالات لتزامنه مع بذل ترامب ونتنياهو كل ما وسعهما لتصفية القضية الفلسطينية، وإسقاط قضايا الحل النهائي.
ولا يبدو ذلك مستغرباً. يرى حكّام الإمارات القضية الفلسطينية عبئاً يجب التخلص منه تماماً، مثل رؤيتهم الثورات العربية خطرا ينبغي عدم السماح بنجاحها وقيادة الانقلابات عليها. في المقابل، يعتبرون دولة الاحتلال شريكاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً موثوقاً في ظل تقلبات الإدارة الأميركية، يمكن أن يؤمن لهم الحماية وتغطية طموحاتهم التوسعية في المنطقة.
أما المنامة، فالمفاجأة الوحيدة كانت ستتمثل في عدم توقيعها. لكنها لم تخيّب ظن المراهنين على أنها ستلحق بأبوظبي، بعدما اختارت، منذ زمن، أن تكون في موقع التابع والمنفذ لما تريده السعودية والإمارات. تبقى الآن معرفة من سيكون التالي على لائحة التطبيع المجاني من حلفاء الإمارات ووكلائها.