يندر أن يتم العثور في "نتفليكس" على مسلسل أو برنامج تلفزيوني أو فيلم، سياسي أو ترفيهي بحت، يتطرق إلى أي أمر له علاقة بـ(إسرائيل)، من دون أن يظهر الانحياز الفج لها. الأمثلة لا تعد ولا تحصى، من مسلسلي الجاسوس وفوضى إلى فيلم الملاك…
تحوّل "نتفليكس" إلى منصّة للدعاية الإسرائيلية ولروايتها بشأن "السلام"، وتصوير أن دولة الاحتلال من تتعرّض للانتهاكات، وليس الشعب الفلسطيني تحت هذا الاحتلال، لم يعد منذ سنوات أمرًا قابلًا للنقاش، خصوصًا أن "نتفليكس" تتولى إنتاج بعض الأفلام والمسلسلات، ولا تشتريها فقط، وبالتالي لديها القدرة التامة على التحكّم بالمنتج في صورته النهائية. مثال آخر هو ما تضمّنه الموسم الثاني من برنامج الواقع "سكين وورز" (عرض عام 2015)، المخصص للتنافس بين فنانين في الرسم على الجسد، على أمل الفوز والحصول على جائزة تبلغ مائة ألف دولار. من بين هؤلاء يبرز متسابق يُدعى آفي رام.
منذ اللحظة الأولى لظهوره، والتعريف عن نفسه، وبأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية، والتفاخر بأنه كان جنديًا في جيش الاحتلال، اختار لنفسه مهمة أخرى، إلى جانب المنافسة على الرسم، ترويج (إسرائيل) المعرّضة بشكل دائم للخطر من قطاع غزة. في إحدى الحلقات كان التحدّي رسم رجال آليين. شكّل ذلك الفرصة له للذهاب بعيدًا في تسويق مظلومية زائفة. خياره كان رسم رجل آلي يجسد نظام القبة الحديدية، قادر على اعتراض الصواريخ التي يطلقها "الأشرار" من قطاع غزة من دون أخطاء، على عكس نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الحقيقي. يستطرد في شرح أسباب خياره، قائلًا إن من يسكنون قرب القطاع، ومن بينهم والدته، يضطرون للركض باتجاه الملاجئ كل 20 دقيقة! يتفاعل معه الجميع تعاطفًا، وتذرف بعض الدموع، من دون أن يجد من يستوقفه أو يصحح له الأكاذيب التي يقدّمها، أو يسأله عن سبب حدوث ذلك، أو عن أهالي قطاع غزة المحاصر. حتى أن صورته وهو يرتدي لباس جيش الاحتلال، بينما كان يتحدث عن مدى اعتزازه بالأمر، ظهرت أكثر من مرة خلال البرنامج.
كان يدرك جيدًا مدى قدرته على التضليل والكذب، لأنه ببساطة لم يكن يشعر بخطر وجود أي شخص بين الحاضرين ملمٍّ بطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يكون قادرًا على تفنيد ادعاءاته.
هنا تحديدًا تظهر أهمية وجود حركات مناهضة (إسرائيل)، خصوصًا حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، والتي تحولت إلى أكبر خطر يواجهه الاحتلال الذي يرصد الميزانيات لمحاصرتها وشيطنتها من بوابة معاداة السامية، وحتى وضع استراتيجيات لتجريم أنشطتها في دول كثيرة يملك تأثيرًا قويًا فيها.
تضرب الحركة الاحتلال في مقتل، فعلى مدى سنوات استطاعت أن تطور عملها في الدول الغربية خصوصًا، حتى باتت تشكل خطرًا داهمًا على الاحتلال، فالحركة التي تأسست قبل 15 عامًا باتت في عام 2020 قادرة على تنظيم فعاليات أسبوع مقاومة الاستعمار والأبارتهايد في أكثر من 300 مدينة في العالم. حرمته من فعالية واحد من أبرز أسلحته، الدعاية المزيفة. تفضح جرائم الاحتلال حيثما وجدت، تفند ادعاءاته وجرائمه بالأرقام، وتقدّم ما يكفي من الأسباب لمقاطعته سياسيًا وثقافيًا وأكاديميًا وتكبيده خسائر بالمليارات جرّاء سحب الاستثمارات ومقاطعة بضائع المستوطنات ووسمها. بات صوتها في بلدان كثيرة يعلو على صوته. تمنعه من محاولة تصوير نفسه ضحية، وتعرّيه وتصوّره على هيئته الحقيقية نظام فصل عنصري (أبارتهايد) واستيطاني وإحلالي ومجرم، يمعن في سرقة الأراضي الفلسطينية وارتكاب المجازر.