قلنا في مقال أمس: بعد خراب مالطا، إن اجتماع مجلس الأمناء العامين برئاسة محمود عباس قد جاء متأخرا، بعد أن ضربت القضية في صميمها ضربات قوية، آخرها صفقة القرن، و اتفاق إسرائيل الإمارات. واليوم نقول بإمكاننا أن نركب موجة المداهنة ونحصل على الرضا، ونقول إنه كان اجتماعا جيدا ومفيدا، ويؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك والمصالحة الوطنية، ولكن نشعر أن خداع النفس جريمة، وخداع الآخرين جريمة أكبر، لذا فليعذرنا القارئ إذا شعر أننا نتتبع الخيط الأسود في الاجتماع الأخير، والذي لا يمكن وصفه بالتاريخي البتة، كما ذهب لهذه التسمية من يداهنون السلطة؟!.
الاجتماع عادي، ومتأخر، وفرضته الظروف، ولم تفرضه قناعات الرئيس بالعمل المشترك، وجمع الفصائل معه على استراتيجية الحد الأدنى على أقل تقدير. قلت إن الظروف هي التي فرضت الاجتماع على عباس، ولعل أهم حدث في هذه الظروف، كان تطبيع الإمارات مع (إسرائيل) وضربها للإجماع العربي الذي تبنى المبادرة العربية، ثم رفض أبو الغيط عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، والأهم في هذا السياق اقتراب موعد انعقاد اجتماع مجلس الجامعة العربية الاعتيادي في التاسع من سبتمبر الجاري، حيث كان اجتماع الأمناء العامين في الرابع من الشهر نفسه.
عباس يريد أن يذهب إلى الجامعة العربية متسلحا بورقة التوافق الوطني، ليواجه بها منتقدي تمثيله للكل الوطني الفلسطيني، وهؤلاء موجودون في الجامعة العربية. عباس يريد تأكيد وحدانية تمثيل المنظمة للشعب والقضية، وهو منزعج من منازعة بعض الدول كالإمارات مثلا في قولها إن اتفاقها مع (إسرائيل) جاء لخدمة القضية الفلسطينية، ومنع نيتنياهو من ضم الضفة للسيادة الإسرائيلية.
من الدول العربية من يزعم أنه طبع العلاقات لخدمة الفلسطينيين، وبعضهم يرى أنه يمتنع عن التطبيع خدمة للفلسطينيين، وهكذا نعيش مع العرب الشيء ونقيضه، ومع ذلك يجدر بنا أن نلوم أنفسنا قبل أن نلومهم، فقد كنا جسرا لهم للتطبيع منذ اتفاق أوسلو، وعباس نفسه يعيش مع الفصائل الشيء ونقيضه، فالفصائل ومنها حماس والجهاد والشعبية يرون أن المصلحة الوطنية الآن في الخروج من الاتفاق، ومن الاعتراف (بإسرائيل)، وعباس يرى أن المصلحة الوطنية في المحافظة على الاتفاق، ومكافحة (إسرائيل) بالمقاومة الشعبية السلمية.
وفي النهاية يمكن القول بأن الاجتماع كان بالنسبة لعباس ناجحا بامتياز فقد حصل على ما يريد من الفصائل، ويذهب للجامعة قويا، بينما لم تحصل الفصائل إلا على تشكيل بعض اللجان للمقاومة الشعبية السلمية، وللمصالحة، وهذه اللجان هي تكرير لأفعال ماضية لم ينفذ منها شيء. نعم قادة الفصائل عبّرت في الاجتماع عن مشاعرها، وعن رؤيتها بعمومها، ولم تأخذ شيئا عمليا، وإذا التقوا على المقاومة الشعبية فهم لم يلتقوا على أشكال المقاومة الأخرى، ولم يلتقوا على الخروج من اتفاق أوسلو؟!