عاش نتنياهو المظاهرات الإسرائيلية الأخيرة في أجواء من القلق والخوف على اهتزاز كرسيه الذي يجلس عليه منذ ما يزيد على أحد عشر عاما، لأنها عكست مستوى الغضب والإحباط الذي يشعر به الإسرائيليون، حيث لم تشهد إسرائيل شيئًا من هذه الاحتجاجات منذ عقود، فآلاف المتظاهرين تجمعوا عبر الشارع من مقر رئيس الوزراء محاولين اختراقه، وتصاعد المئات من رجال الشرطة، بعضهم قاموا بإبعادهم، لكن المتظاهرين رفضوا الاستسلام، ووقفوا متماسكين، رغم محاولات رشهم بالمياه لتفريقهم.
من الواضح أن نتنياهو يقاتل من أجل بقائه السياسي، ويخشى على حريته الشخصية بينما يواجه المحاكمة بتهم الفساد، لكن هروبه المخطط من الذراع الطويلة للقانون تحطم بأقصى سرعة في جدار من الطوب على وقع فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية.
السؤال المطروح الآن أنه في حال تصاعدت الاحتجاجات الإسرائيلية، فسيتحول "صداع" نتنياهو إلى دوار كامل، ويبدو هذه المرة أنه يواجه عاصفة كاملة، وللمرة الأولى لمست الاحتجاجات قاعدته الحزبية، فالبطالة وإغلاق الأعمال التجارية وفقدان سبل العيش لها أثرها، وقد يكون الناخبون أكثر تضررا من الآخرين، وستتلاشى المليارات التي وعد بتسليمها للجماهير بسرعة في الحرارة الشديدة.
صحيح أن نتنياهو يعتبر بنظر كثير من الإسرائيليين، لكنه في الوقت ذاته يؤذيهم، والعقد الزمني الذي قاد فيه الدولة لن يمنع التاريخ من الحكم عليه بشدة، لأنه يتصرف بشكل منهجي من أجل المصلحة الشخصية، فقد أوجد عهده على الطاولة عدة قنابل موقوتة، سواء وباء كورونا الذي تفشل إسرائيل بمعالجته، والخشية أن يكون خارج نطاق السيطرة؛ فيما الاقتصاد مزدحم يفشل في استيعاب خمس سكان الدولة.
كما فرض نتنياهو على الأجندة الإسرائيلية قرارا مصيريا لضم الضفة الغربية، الذي يتطلب من مؤيديه أن يستعدوا لعواقبه المحتملة، بما في ذلك تعريض الاستقرار الأمني للخطر، وزعزعة العلاقات مع الجيران العرب، وأوروبا، ويهود العالم، ونصف مواطني الولايات المتحدة.
صحيح أن نتنياهو زعيم ذو خبرة، وحظي بأن يحكم إسرائيل طوال عقد كامل، وتجنب الحروب غير الضرورية، ودفع ازدهار إسرائيل الاقتصادي، وعمل على تحسين موقعها الدولي، لكنه في العامين الماضيين، هاجمته سلسلة التحقيقات والاتهامات الجنائية، ما سيدفع التاريخ للحكم عليه بقسوة شديدة.
القناعة السائدة في أوساط الإسرائيليين أن نتنياهو يتصرف بشكل منهجي بدافع المصلحة الشخصية، لإيذاء القوة الداخلية لإسرائيل، وهذا التصميم الصعب المأساوي يقوم على إثبات واسع، وبلغت الاتهامات خطوة أخرى بالغة الخطورة، حين اتهمه المدعي العام باستخدام وسائل إجرامية لدرء الادعاءات ضده، والتصرف بطريقة تعبر عن تضارب المصالح، برغبة شخصية منه لمنع التعرض لـ"أفعاله غير اللائقة".