رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الإسرائيلية، واستعانتها بجميع المؤسسات الرسمية الإسرائيلية في الداخل، واليهودية في الخارج، ضد حركة المقاطعة العالمية المناهضة لإسرائيل، المعروفة اختصارًا باسم BDS، لكن الاعتراف الإسرائيلي الأخير جاء مفاجِئًا بفشل جهود القضاء على هذه الحركة، أو على الأقل عدم النجاح في تحقيق أهداف الحملة الإسرائيلية الموجهة ضد هذه الحركة.
جاء هذا الاعتراف الإسرائيلي خلال اجتماع للجنة مراقبة الدولة التي عقدته في الكنيست، بحضور عدد كبير من ممثلي الجهات الرسمية الإسرائيلية، الحكومية والأمنية والبرلمانية، للحديث حول نتائج جهود إسرائيل في مواجهة محاولات نزع الشرعية عنها، وفحص أداء الحكومة الدبلوماسي والإعلامي تجاه حركات المقاطعة ضد إسرائيل.
بدا واضحًا بعد سنوات من هذا الجهد الإسرائيلي المركز ضد حركة البي دي أس، وجود حالة من الانتقادات الشديدة حول سوء توزيع صلاحيات وزارة الخارجية على مختلف الوزارات، بعضها لأسباب حزبية وسياسية، مما ألحق الضرر بوزارة الشؤون الاستراتيجية المكلفة بهذا الملف، لكن النتيجة أنها باتت تعتبر ثغرة سوداء أمام الإسرائيليين، وهناك من يشخص وجود حالة من عدم صياغة السياسات والتعاون بين وزارتي الخارجية والشؤون الإستراتيجية.
مع العلم أنَّ مخاوف إسرائيل من هذه الحركة، وإحباطها من الاعتراف بفشل القضاء عليها يتزامن مع عدة تحدّيات تواجه الآلة الدبلوماسية الإسرائيلية، سواء القرار الجنائي المتوقع للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتزايد ما تزعمه إسرائيل بظاهرة معاداة السامية عبر الإنترنت، بجانب الأزمات الصحية والاقتصادية في إسرائيل التي قد تسفر عن مزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار، وهي أرض خصبة لظهور الإجراءات المعادية لإسرائيل.
يشرح الإسرائيليون جملة من الأسباب والعوامل خلف عدم النجاح في القضاء على حركة المقاطعة، ومنها عدم التركيز على التكنولوجيا الرقمية في مجال التواصل الاجتماعي، لأنَّ هذه الساحة لها دور مهم في تشكيل الرأي العام، والتأثير عليه، وهي حيوية في الحرب على الوعي، مما يتطلب، وفق التصور الإسرائيلي، حاجة أكبر بكثير لتعبئة الجمهور الإسرائيلي ليكون لاعبًا في القضية تجاه حركة المقاطعة.
مع العلم أن الوكالة اليهودية على سبيل المثال تركز أنشطتها على المستوى الميداني، وهي منتشرة عبر آلاف المبعوثين حول العالم، وأنصار إسرائيل في الجامعات، ممن يقومون بأعمال تواجه حركة المقاطعة، رغم وجود حالة من التوتر الكبير بين مختلف الأجسام والجهات الحكومية الإسرائيلية واليهودية.
ورغم أنَّ الإسرائيليين يقرّون بأنهم أمام قضية مهمة وحاسمة، وقد تكون مصيرية، وهي محاربة حركة المقاطعة، لكن الأهمية القصوى الممنوحة لها، تعترضها جملة من التطورات السياسية حول العالم، مثل أزمة كورونا، وعدم استقرار الأنظمة المحيطة، مما يزيد الواقع الإسرائيلي في مواجهة "البي دي أس" تعقيدا وخطورة.