ندرك المجتمع الفلسطيني بعض المحاذير التي أجهضت المشروع الوطني، وفتتت بنيانه وقبرت جزءًا من مكوناته، وهنا لا نغفل عما وقعت به منظمة التحرير وترويض قيادتها للذهاب نحو مشروع "السلام" في المنطقة، المشروع الذي فشل وأفشل القيادة الفلسطينية آنذاك، ولم يحقق للفلسطينيين أي خطوة متقدمة تنهي الاحتلال وتقيم دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967م، ومن ذلك فشل مسار المفاوضات وتراجع مكانة القضية عالميًّا وإقليميًّا إلى الحد الذي قسم المجتمع الفلسطيني إلى طبقات حاكمة بعيدًا عن إدارات الحكم الرئيسة، كان ذلك مدخلًا لإغراق المنظمة في مرحلة أضعف من بيت العنكبوت، وأحدثت تحولًا في أنماطها القيادية المختلفة نحو البيروقراطية، ونسف أبعاد وصور وأشكال العمل الديمقراطي، نمطًا رئيسًا من أنماط العمل السياسي المشترك، وتحديد مستقبل القضية الفلسطينية بمسار المفاوضات أحد الخيارات الإستراتيجية التي سيبنى عليها مستقبل الشعب الفلسطيني دون تحديد سقف زمني محدد لإنهاء هذا الخيار.
وقد مضى زمن لا بأس به على المفاوضات، ارتقب خلاله الفلسطينيون نتائجها بصبر نافد، دون أي تقدم ملموس على الأرض، وبدأ حديث المواطنين يدور عن البدائل المقبلة لحركة فتح، وعن خيارات مستقبلية أخرى، خصوصًا بعد أن خرج عدد من القادة في الحركة والسلطة الفلسطينية، موضحين في تصريحاتهم حقيقة فشل المفاوضات، وأنها لن تحقق أي هدف من أهداف المشروع الوطني.
ما سبق شكّل مدخلًا رئيسًا وموجهًا أساسيًّا لسياسة حركة حماس وتعاملها مع الأوساط المحيطة بها، فالإقليم يرى أن تكون حماس خطًّا موازيًا لتجربة أوسلو وما نتج عنها من تدمير البنية التحتية لحركة فتح، والمجتمع الدولي يمتلك رؤيته الخاصة في توجيه مسار حماس وترويضها أمام سياسات الحصار والإغلاق، وإدراج قياداتها ضمن لوائح الإرهاب، نوعًا من الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي لإرغام الحركة على قبول شروط الرباعية الدولية، وقبول كذلك رؤية الإقليم التي أوجدت خلالها العديد من المتغيرات، منها: التطبيع، والانفتاح على الاحتلال، والموقف العربي من صفقة القرن، ومشروع الضم.
لم يكن رفض حماس مشروع المقايضة وليد الصدفة أو وليد المرحلة، بل هو إحدى قواعد العمل التنظيمي التي أُسست عليها رؤية ومنهجية الحركة في تعاملها مع المجتمع الدولي، إذ سبق أن رفضت الحركة عروضًا عدّة لإنهاء مشروع المقاومة، منها العرض الأمريكي الذي طالبت خلاله الإدارة الأمريكية بالتفاوض المباشر مع حماس، لإنهاء كل القضايا العالقة وخلافاتها المحلية والدولية برعاية أمريكية.
يتجدد رفض حماس لكل الإغراءات الدولية، على الرغم من حاجتها لإنشاء مطار وميناء، وتشكيل نظام حكم في غزة يؤهلها لامتلاك قوة عربية ودولية، وما يجعلها أن تكون طرفًا مؤثرًا في الإقليم له وزنه وخصوصيته، ولكن ما تؤمن به حماس وما يؤمن به الفلسطينيون هو أن مشاريع التسوية لن تطول مهما بلغت حجم التنازلات، والتجارب التي استغرقت أكثر من ربع قرن شواهد حية تؤكد فشل تلك المشاريع وفشل أي مسار من مسارات التسوية.