في موقف مفاجئ، ولافت، وغير تقليدي، تحدثت أوساط أمنية إسرائيلية عن الموقف من حالة الاستقرار أو الفوضى في السلطة الفلسطينية، من حيث إنها لم تعد بالضرورة في مصلحة إسرائيل، رغم أن الرأي السائد أن استقرار السلطة أمر جيد بالنسبة لإسرائيل، ولمدة جيل كامل، دأبت المدرسة المهيمنة بين الدوائر الأمنية في إسرائيل على تفضيل الاستقرار السلطوي بين الفلسطينيين.
ورغم أن السلطة الفلسطينية أعلنت قبل شهرين فقط إلغاء جميع الاتفاقات التي وقعتها مع إسرائيل، لكن خبراء الأمن الإسرائيليين يواصلون الادعاء أنها شريكة إسرائيل في السلام، وعامل استقرار، والاستقرار جيد أمنيًا لها، مع أن الجهات الأمنية في إسرائيل لم تعد الوحيدة التي تحمل هذا الرأي، فنظراؤهم الأمريكيون في نفس القارب المفاهيمي.
بالعودة للتاريخ، فإن المكان الذي أدرك فيه الأمريكيون هذا التصور بشكل بارز في السنوات الأخيرة هو لبنان، فبعد الحرب الثانية 2006، ورغم المقاومة الشرسة التي أبداها حزب الله ضد إسرائيل، فقد استفادت الحكومة المحلية والجيش من زيادة كبيرة في المساعدة الأمريكية، رغم أن وجود الحزب، وتعززه تحت رعاية الحكومة اللبنانية لا يثير إعجاب البنتاغون في واشنطن.
تزعم المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنه إذا انهارت الدولة اللبنانية اليوم، وهذا ما يحدث بسبب الأزمة الاقتصادية وتهاوي العملة المحلية، فستكون هناك عناصر كثيرة جدًا في لبنان تريد مساعدة إسرائيل، ومستعدة لدفع ثمنها، كما أن حزب الله الذي يرى اقتراب النهاية إذا لم يأتِ الخلاص من واشنطن، لن يخوض الحرب ضد إسرائيل عندما يتهمه الشعب اللبناني بأكمله بالانهيار الاقتصادي، وعندما لا يملك حسن نصر الله الإمكانات المالية لدفع أجور مسلحيه.
هذا هو الحال مع نظرة إسرائيل تجاه استقرار نظام عائلة الأسد في سوريا أو الإطاحة به، فقبل الحرب اعتقدت إسرائيل والولايات المتحدة لعقود من الزمان أنه الأقل سوءًا بالنسبة لهما، صحيح أن الأب والابن دعما حزب الله، ومن رعايا الروس والإيرانيين، لكنهما مستقران.
ومن أجل هذا التقدير، فقد حذر خبراء أمنيون إسرائيليون أنه إذا تم تقويض نظام الأسد، فستدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا، لكن عندما حدث ذلك لم تتضرر الأخيرة، بل تعززت، بل إنها تمتلك اليوم سيطرة استخبارية لافتة على سوريا.
كل ذلك يؤكد، وفق التفكير الإسرائيلي الجديد، أن عدم استقرار السلطة الفلسطينية لا تعرض إسرائيل للخطر، بل قد تفيدها، ورغم أن الأمن الإسرائيلي يخشى عبارة "انهيار السلطة الفلسطينية"، لكن إسرائيل لا يجب أن تنقذ أعداءها وهم ينهارون، ولا يجب أن تزعجهم.. موقف لافت، قد لا يكون حوله إجماع إسرائيلي، لكنه على الأقل يشكل استدارة وإعادة تموضع تستحق الدراسة لدى الفلسطينيين، كل الفلسطينيين!