فلسطين أون لاين

الرسوم الجامعية

...
أ.د.عادل عوض الله

قد يستغرب البعض كلامي، وأنا الأستاذ الجامعي والرئيس السابق للجامعة الإسلامية بغزة، ولكني بين نارين؛ بين طلبة وأسر تبكي لا تجد وسيلة كريمة لتعليم أبنائها في الجامعات، وبين جامعات تعاني، ولعلي أستمع في كل لحظة لآهات أساتذتها وموظفيها.

مع ظهور نتائج الثانوية العامة، وبدء موسم القبول في الجامعات، أتابع ما ينشر من الجمهور الكريم بخصوص الرسوم الجامعية، وخصوصا رسوم كليات الطب وطب الأسنان، وأتساءل كما تساءل البعض؛ هل هذه الرسوم العالية تضمن تعليما متساويا كريما لكل فئات المجتمع؟ الجواب بالتأكيد لا، للأسف الشديد. رسوم تفوق 1500 دينار فصليا، ناهيك عن رسوم التعليم الموازي التي تصل ل 12,000 دينار، نعم يستطيعها البعض القليل بسهولة، ولكن الغالب لا يستطيعها، أو يستطيعها بصعوبة كبيرة جدا.

والسؤال المهم الآن، من يتحمل المسئولية؟ وهل من ملامح للحل؟

تحميل المسئولية فقط للجامعات خطأ كبير، فالجامعات تعيش ظروفا صعبة جدا، وبالكاد تستطيع تسيير أمورها، بالأمس قال لي أحد الأساتذة الكبار في إحدى الجامعات: إنهم يعيشون على السُلف بين فترة وأخرى، وقال آخر: إنه يعمل بالساعة في إحدى الجامعات، ولا يتقاضى راتبا، بل يحول كل عمله رسوما جامعية لابنه في تلك الجامعة، وكتبت أخرى؛ إن مجموع عملها بالساعة للعام الماضي 250 دينارا، رغم نشاطها الملحوظ في التعليم الإلكتروني.

التعليم العالي أيها الكرام جزء أساسي من منظومة الدولة، يجب الاهتمام به ورعايته كما يتم رعاية التعليم العام، والخدمة الصحية. للأسف أقول الدولة لا تقدم شيئا للتعليم العالي المتمثل في الجامعات الأهلية والخاصة – إلا الفتات، والفتات بمنزلة العدم لا يعتد به-، ولعلها اكتفت ببعض الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية، رغم أنها أيضا للأسف أدخلتها في دوامة المعاناة، والتقاعد المالي (التقاعد المالي بالمناسبة ماركة فلسطينية مسجلة ليس لها تعريف في قواميس اللغة ولا الاقتصاد، إلا حقدا في نفوس أصحابها وواضعيها).

لا بد من وضع خارطة طريق للتعليم العالي لإنهاء هذه المعاناة، وأقترح عدة سيناريوهات، بالترتيب:

أولا: أن يكون التعليم مجانيا أو شبه مجاني، وأن تتحمل الدولة – أو بالتأكيد الجهات الحاكمة- التكلفة التشغيلية للجامعات، ولها أن تتدخل في هذه الحالة بحيث تكون مكانة الأستاذ الجامعي كما هي في الدول المحترمة، ولا تزيد.

ثانيا: فرض رسوم دراسية كاملة تغطي تكلفة الجامعات بالمعقول يستلزم وضعا اجتماعيا واقتصاديا ممتازا، وهذا للأسف غير موجود إطلاقا في واقعنا الفلسطيني بالجملة.

ثالثا: (ولعل هذا هو أقرب الممكن آنيا)، فرض رسوم دراسية رمزية بحيث لا تزيد مثلا عن 15 دينارا للساعة للتخصصات العادية، ولا تتعدى بحال ثلاثين دينارا لكليات الطب، هذا يستلزم تدخلا مساندا وبنسب ثابتة تغطي العجز من الحكومة أو الجهات الحاكمة. ويمكن بالتأكيد التدخل المساعد من مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الخيرية.

رابعا: على المدى الاستراتيجي يمكن التفكير بأن يكون التعليم العالي من خلال رسوم بسيطة على كل المجتمع مثل رسوم التأمين الصحي، وتجمع كلها في صندوق لتغطية تكلفة التعليم العالي، وفي هذه الحالة لن تجد أسر المتفوقين نفسها، وقد أصبح عليها الصباح تزغرد لتفوق أبنائها، وأمسى عليها المساء تكفكف دمعها من ضيق الحال، أو تهدر ماء وجهها أمام فلان أو فلان لاستكمال رسوم دراسة أبنائها.

وفي كل الأحوال، فشبابنا وبناتنا هم كنزنا الاستراتيجي الذي يجب أن نرعاه إلى أقصى درجات الرفعة العلمية:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم،،، لم يبن ملك على جهل وإقلال.