عبر الإسرائيليون في مظاهراتهم الاحتجاجية الأخيرة عن مستوى متفاقم من الغضب والإحباط تجاه بنيامين نتنياهو، حيث لم تشهد إسرائيل مثل هذه المظاهرات منذ سنوات طويلة، حتى أن منظميها وصفوها بأنها تشبه "ليلة الباستيل"، لأن تاريخها توافق مع يوم 14 يوليو، وهو تاريخ الثورة الفرنسية، واستهدفت المظاهرة نظام الحكم المستمر لرئيس الوزراء المتهم بنيامين نتنياهو منذ 11 عامًا.
يعدُّ نتنياهو في نظر العديد من المتظاهرين الإسرائيليين تجسيدًا مستبدًا للإمبراطور الفرنسي لويس السادس عشر، صحيح أن "ليلة الباستيل" لم تسقط نظام نتنياهو، لكنها تسببت بارتجافه من تأثيرات الاحتجاجات المستمرة، فهي لها تأثير عميق عليه، وعلى قدرته على الحكم.
الغريب أنه في اليوم التالي للاحتجاج الذي تدهور لتعبير عنيف من الغضب العام على عائلته، وأسلوب حياتها المسرف، أعلن رئيس الوزراء عن "هدية" مفاجئة بقيمة 6 مليارات شيقل إسرائيلي (1.75 مليار دولار) للإسرائيليين، لمواجهة وباء كورونا المتفشي بكثافة غير مسبوقة بينهم.
مع العلم أن هذه الخطوة تشكل رفضًا للعقيدة الاقتصادية الجديدة -القديمة لنتنياهو، وجميع المبادئ التي يعتز بها كرأسمالي محافظ مؤمن بقوى السوق، والحد الأدنى من التدخل الحكومي، لكن دافعه واضح أنه يقاتل من أجل بقائه السياسي، ويخشى على حريته الشخصية في حين يواجه المحاكمة بتهم الفساد، لكن هروبه من الذراع الطويلة للقانون تحطم بأقصى سرعة في جدار من الطوب على وقع فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية.
الأمر اللافت أن المظاهرات بدأت تؤثر في أداء حزب الليكود في استطلاعات الرأي، وتغلق نافذة فرصته لتفكيك حكومة الوحدة الكارثية مع حزب أزرق-أبيض، والتحضير لانتخابات جديدة، وتثبيت حكومة تسمح لنتنياهو بسحق المؤسسات القضائية، وإنفاذ القانون في الكيان.
أثارت المكافأة السخية التي عرضها نتنياهو، نيرانًا قاتلة من مسؤولي وزارة المالية وكبار الاقتصاديين، بعد أن تبين أنه ليس لديها سوى هدف واحد، وهو تقليص الاحتجاجات القادمة المخطط لها، وشكلت شهادة جديدة على فقدانه السيطرة، وربما حتى بداية الذعر، لأنه لم يسبقها أي مداولات وتحليلات مهنية.
نتنياهو نفسه عقد مؤتمرًا صحفيًّا في وقت الذروة، مستخدمًا أفضل مهاراته الخطابية والمقنعة لمحاولة توضيح أن هذا لم يكن إجراءً شعبويًّا لإرضاء الجمهور، لكن هل ترى أقنع أحدًا، حتى نفسه، من الصعب تصديق ذلك؟
يقدر الإسرائيليون أنه في حال تصاعدت الاحتجاجات، فسيتحول "صداع" نتنياهو إلى دوار كامل، ويبدو هذه المرة أنه يواجه عاصفة كاملة، وللمرة الأولى لمست الاحتجاجات قاعدته الحزبية، فالبطالة وإغلاق الأعمال التجارية وفقدان سبل العيش لها أثرها، وقد يكون الناخبون أكثر تضررًا من الآخرين، وستتلاشى الـستة مليارات شيقل التي وعد بتسليمها للجماهير بسرعة في حرارة تموز الشديدة.