فلسطين أون لاين

كيف أختار تخصصي الجامعي؟

ما إن انتهينا من التوتر المصاحب لاختبارات الثانوية العامة ما بين تحضير لها واجتياز لاختباراتها، وانتظار النتيجة التي لا تقل توتراً عن سابقاتها، حتى يُطل علينا سبباً آخر يجذب التوتر إليه وكأنه لا يكفينا ما مررنا به.. إنه اختيار التخصص الجامعي. وينشأ التوتر هنا من فكرة أن التخصص الجامعي الذي أختاره هو ما سيحدد مستقبلي وفرصي في العمل بعد ذلك. وقد تكون هذه الفكرة صحيحة برغم أنها ليست دقيقة مئة بالمئة. لأن الشهادة الجامعية لا تفرض على الشخص وظيفة واحدة مدى الحياة، فقد توصلت دراسة أمريكية إلى أن ما يقارب 45% من الأشخاص لا يعملون في مجال تخصصاتهم الجامعية.. عدا عن أنه يمكن ابتكار مجالات عمل جديدة لكل تخصص، إذن فالمسألة بحاجة للإبداع والمثابرة أكثر من فكرة التخصص.

دعونا نحدد الهدف الذي نصبو إليه من وراء دراسة تخصص بعينه، قبل أن نخوض في قصية اختيار التخصص، فهل ندرس لنحصل على وظيفة تناسب التخصص؟ أم لنلبي شغفنا بالعلم والمعرفة في هذا المجال؟ هل دراسة هذا التخصص ستعود علينا بالنفع في حياتنا الخاصة دون النظر للعمل؟ أم أننا فقط نريد أن نكون من حملة الشهادات الجامعية وفي عداد المتعلمين وفي وقت زمني قصير وبتكلفة مادية قليلة؟

عوامل عديدة لها تأثير في اختيارنا للتخصص الجامعي، ولا بد من أخذها بالحسبان وهي:

أولاً، ميولك ورغبك الشخصية، فأي الجوانب ترغب بها وتجد في نفسك القدرة على دراستها والحصول على شهادة جامعية؟ هل تحب الأعمال الميدانية، أم العلمية، أم الأدبية، أم الخدماتية، أم المهنية، أم التكنولوجية؟

ثانياً، وضعك وإمكانياتك المادية والمالية، معدل الثانوية العامة هل يتناسب مع التخصص الذي ترغب به؟ هل المستوى المادي للأهل وقدرتهم على تغطية رسوم دراستك يتناسب مع التخصص الذي اخترته؟ هل لديك إمكانية الحصول على منحة دراسية؟ هل يتوفر التخصص المطلوب في الجامعة التي تتناسب مع طروفك وترغب بالدراسة فيها؟

ثالثاً، توفر فرص العمل، فهل التخصص الذي ترغب بدراسته سيكون مطلوب مستقبلاً؟ فحتى لو وُجدت الشروط السابقة وانعدم هذا الشرط، سيكون هناك خللاً عليك تجنبه، لذا عليك قبل أن تختار تخصص الدراسة أن تنظر إلى سوق العمل، وتراجع الأرقام والإحصائيات التي تخص التخصص الذي ستختاره، لاحظ مستويات البطالة فيه، عدد الخريجين سنوياً، مجالات العمل وتوافر الشواغر... الخ.

رابعاً، وقدراتك الشخصية وطبيعتك، وجوانب الذكاء التي تتفوق بها، مثل قدرتك على التواصل، حضورك، تحملك للضغط النفسي... الخ.

قبل اختيار أي تخصص، اجمع معلومات عنه، وعن الجامعة، اسأل غيرك من الأشخاص الذين خاضوا قبلك التجربة التي ستُقدم عليها فذلك يشعرك ببعض الطمأنينة ويلفت انتباهك لنواحي ربما لم تنتبه لوجودها، وسيكون الأمر أفضل لو قمت بزيارة للكلية التي ستدرس فيها.

ضع أمامك خيارات عدَّة، حتى يكون لديك بدائل إذا صرفت النظر عن تخصص كنت قد اخترته سابقاً.

وانتبه أن تختار التخصص الذي لا يتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال، فذلك يتيح لك الفرصة لاكتساب مهارات تفيدك في مجال العمل، وحياتك الخاصة،

ما أود قوله في النهاية أن الشيء المهم عند اختيارنا للتخصص علينا أن نضع في حسباننا أن النجاح لا يكمن في الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو في تخصص بعينه، النجاح يكمن في مستوى ذكائك وقدرتك على الإبداع وابتكار كل ما هو جديد في مجال تخصصك، وإثبات قدراتك وكفاءتك عملياً، ومدى توظيفك للمهارات التي تحسِّن من أدائك في العمل وممارستك للتخصص الذي أمضيت سنوات في دراسته.

لاحظ أن بعض الأهل يصرون على دراستك لتخصص معين، وهذا لن يكون سيئاً دائماً، يكون الأهل أحياناً أكثر نضجاً في تقييم قدرات أبنائهم، وأحياناً يضغطون على أبنائهم لينجزوا ما عجزوا هم عنه.. حلَّ خلافاتك مع أهلك بهدوء وإقناع، وابذل جهدك لإقناعهم بوجهة نظرك، وتجنب من الوصول إلى درجة الصراع معهم.

وكن على يقين في نهاية الأمر أن دراسة تخصص معين، أكنت ترغب به أم لا ليست هي نهاية العالم.. كثيرون يعملون في مجالات لا تمت بصلة لدراستهم.. فمهما درست، ابذل جهدك لتحصل على مهارات وخبرات حياتية تفيدك في معاركة الحياة وعالم الأعمال.