لا ينبغي للفلسطينيين الركون إلى عدم تنفيذ قرار ضم أراضيهم في غور الأردن وشمال البحر الميت في موعده الذي كان مقررًا في مطلع شهر يوليو/ تموز الحالي، ذلك أن العملية، من حيث المبدأ، لا تزال قائمة، ويمكن تنفيذها في أي لحظة، بعد أن أصبحت رهينة لـ«ضوء أخضر» أمريكي قادم، لا محالة، في حال التغلب على الخلافات «الإسرائيلية» والاشتراطات التي تضعها إدارة ترامب لإطلاق العملية.
ما يدفعنا لهذا القول أن الفلسطينيين لا يزالون في دائرة رد الفعل، وأن المبادرة لا تزال في يد الطرفين الأمريكي و«الإسرائيلي»، وهو ما يعني أنه في حال التوصل إلى تفاهم بينهما، فإن عملية «الضم» ستدخل حيز التنفيذ، فضلًا عن إمكانية أن يلجأ نتنياهو إلى إطلاق عملية «الضم» بمعزل عن شركائه في الحكومة الائتلافية، وتحديدًا جانتس، وحزبه «أبيض أزرق» لفرض أمر واقع على الجميع، بما في ذلك إدارة ترامب، التي لن تجد، في النهاية، سوى التراجع عن اشتراطاتها والموافقة على الخطوة.
ولكن ما الاشتراطات الأمريكية؟ ولماذا؟ هذه الاشتراطات ناجمة في الأصل عن وجود خلافات داخل الإدارة الأمريكية، أسفرت عن وجود جناحين، أحدهما يقوده السفير الأمريكي في «إسرائيل» ديفيد فريدمان، وهو يستعجل تنفيذ «الضم» قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، خوفًا من تبدل الإدارة، ومجيء إدارة ديمقراطية برئاسة جو بايدن، وتوقع إعادة النظر في مجمل خطة التسوية الأمريكية المسماة «صفقة القرن»، وهو ما يريده ويصر عليه نتنياهو.
والثاني يتزعمه جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب الذي يرى المسألة من زاوية أعم وأشمل تتعلق بمصالح أمريكا في المنطقة، وتداعيات هذه الخطوة إن لم تحظَ بقبول لدى الأطراف الإقليميين، ولذا فهو يصر على تنفيذ «صفقة القرن» بالكامل، بما يعنيه ذلك من إعطاء «شيء» للفلسطينيين. هذا «الشيء» الذي تطلق عليه وسائل الإعلام «الإسرائيلية» وصف «امتيازات» تتعلق بإعلان «إسرائيل» بوضوح قبولها لـ«الدويلة الفلسطينية» كما ورد في «صفقة القرن»، أي على قطاع غزة و70 في المئة من مساحة الضفة الغربية، والسماح للفلسطينيين بالبناء في المنطقتين «ب» و«ج»، وإلغاء أوامر هدم البيوت التي بنيت بدون تراخيص، وتحويل جزء من المنطقة «ج» الخاضعة أمنيًا وإداريًا لسلطة الاحتلال بموجب اتفاق أوسلو، إلى السلطة الفلسطينية، وتجميد البناء لمدة أربع سنوات في المستوطنات العشوائية.
وذكر في هذا الصدد، أن النقاشات الأمريكية «الإسرائيلية» في الأيام الماضية أسفرت عن الموافقة على ضم 15 في المئة، بدلًا من 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وأن البيت الأبيض اشترط خلال هذه النقاشات «توفر حالة من الاستقرار السياسي وإجماعًا إسرائيليًا لمساندة مخطط الضم، والكف عن الانقسامات والتهديدات بالتوجه إلى انتخابات جديدة»، حيث سيكون كل ذلك محرجًا للإدارة الأمريكية التي قيل إنها فوجئت بحجم الخلافات داخل حكومة نتنياهو، واتساع المعارضة الداخلية «الإسرائيلية» لمخطط «الضم» ومخاوف القيادات الأمنية، وتحذيراتها من ردة الفعل الفلسطينية.