فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير المحرر موسى... قلب عاد للحياة بعد الأسر

...
تصميم بدون عنوان (3).png
غزة/ هدى راغب

لم يكن خروج الأسير شادي موسى من سجون الاحتلال مجرد تحريرٍ لجسده، بل كان انتصارًا لحلمٍ قاوم الموت أكثر من مرة. فقلبه، الذي توقّف عدة مرات خلف القضبان، عاد لينبض بحرية أخيرًا، بعد سنواتٍ من القهر والعذاب، ليجد نفسه أمام حياةٍ لم يكن يصدق أنه سيعود إليها يومًا.

بعد 23 عامًا إلا شهرين من الأسر، و18 يومًا فقط من الحرية، لا يزال المحرر موسى يعيش في حالة من عدم التصديق.

يقول لصحيفة "فلسطين": "أشعر كأني في حلم، أرفض النوم، فأبسط الأشياء تبدو لي وكأنها نعيم؛ أن أفتح باب المنزل بيدي، أن أخرج متى أشاء، أن أنام دون أن يوقظني السجان... كل هذه التفاصيل الصغيرة كانت حلمًا مؤجلًا، والآن صارت واقعًا لا أزال أحاول استيعابه."

ويتابع، بصوت ضاحك يخفي وجع السنين: "أقف أمام الباب، أمسك بالمقبض، وأتردد للحظات... هل حقًا بإمكاني فتحه؟"

لطالما تشوق إلى الحرية، وانتظر اليوم الذي يعود فيه إلى أحضان والديه، اللذين حُرم منهما طيلة تلك السنوات، وإلى خطيبته التي ضحّت بعمرها انتظارًا للحظة التي يخرج فيها من الأسر ليزفّ إليها عريسًا.

اعتُقل موسى في الخامس عشر من أبريل عام 2002، وحُكم عليه بالسجن 25 عامًا. كانت فترة الأسر الأولى قاسية، خاصة أنه عند اعتقاله أُطلق عليه الرصاص، فأُصيب في رأسه، ما تسبب له بنقصٍ في عظم الجمجمة، وأدى إلى دخوله في غيبوبة استمرت عشرة أيام.

يقول: "وما إن بدأت أفيق وأستوعب ما حصل، حتى دخلت في دوامة التحقيق والتعذيب، ثم صدمة الحكم، ثم المرض والوجع."

لم تكن معاناة موسى في السجن عادية؛ فقد واجه مواقف كادت أن تودي بحياته. ففي عام 2009، أصيب بجلطة أثرت على عينيه، ما استدعى إجراء عملية لتغيير الشبكية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد توقّف قلبه أكثر من مرة بسبب الإهمال الطبي، لكنه كان يعود للحياة في كل مرة، كأن إرادته تأبى الاستسلام للموت خلف القضبان.

يروي موسى: "كنت أشعر أن جسدي يخذلني، لكن روحي كانت تأبى الهزيمة. في عام 2014، توقف قلبي، وأعلنوا استشهادي، لكنني عدت إلى الحياة، وتم تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب بسبب ضعف عضلته."

ويضيف: "عدا عن الإضرابات عن الطعام، والتنقلات التعسفية بين السجون، وغيرها من المعاناة، لكن المحطة الأخيرة كانت الأصعب؛ فترة الحرب على غزة، حيث التعذيب والضرب والاقتحامات المستمرة، والمعاملة غير الإنسانية معنا كأسرى."

ورغم قسوة الأسر، استثمر موسى وقته في الدراسة، فحصل على دبلوم في المحاسبة، ثم بكالوريوس في العلوم السياسية، وهو الآن في المراحل الأخيرة من دراسة الماجستير في الشؤون الإسرائيلية.

لم تسلبه السنوات حلمه في بناء حياة جديدة. اليوم، وهو يستعد للزواج من خطيبته التي انتظرته طيلة فترة اعتقاله، يشعر أن الشمس تشرق من جديد. لم يكن الفراق سهلًا، لكنها تمسكت به وبقضيته، وحين عاد، وجدها بانتظاره، كما وعدته.

يقول موسى، بابتسامة تحمل كل المعاني: "18 عامًا من الانتظار لم تكن هينة، لكنها تستحق." وهو الآن يجهّز تفاصيل يوم زفافه المنتظر بعد انتهاء شهر رمضان.

يحاول التأقلم مع حياة لم يعشها منذ ما يقارب عقدين، فالتكنولوجيا تغيّرت، والشوارع اختلفت، لكن شيئًا واحدًا بقي كما هو... حلمه بوطنٍ لا يضطر فيه أحد لخوض ما خاضه.

المصدر / فلسطين أون لاين