فلسطين أون لاين

منذ بداية 2020

تحقيق 21 طفلًا لقوا حتفهم بحوادث مرورية بغزة.. الإهمال والسرعة أبرز الأسباب

...
غزة- أدهم الشريف

أظهرت معطيات رسمية أن ما لا يقل عن 21 طفلًا من أصل 26 مواطنًا لقوا حتفهم في قطاع غزة من جراء حوادث مرورية وقعت منذ بداية 2020، الأمر الذي يشكل مثار تساؤلات حول الأسباب الذي أدت لذلك، ومدى التزام المشاة والسائقين بالسلامة المرورية، ومن يتحمل المسؤولية؟

وتشكل حالة الازدحام السكاني والمروري التي يشهدها قطاع غزة البالغ تعداد سكانه أكثر من مليوني نسمة، أرضية خصبة للحوادث المرورية.

ووفقًا لما رصدته صحيفة "فلسطين" فإن أسبابا عدة أدت إلى وقوع هذا العدد من الضحايا في حوادث مرورية منذ بداية العام الحالي، تسببت في شهر يونيو/ حزيران الفائت، بمصرع 5 مواطنين، منهم 4 خلال 48 ساعة، بينهم 3 أطفال من الإجمالي.

أسباب عديدة

وعدد مدير مدرسة الزهراء لتعليم السياقة جبر رضوان، بعض أسباب الحوادث، أولها "طيش وإهمال السائقين"، وثانيها "غياب الشرطة المرورية عن تنظيم الطرقات"، مشيرًا إلى أن عدد عناصر الشرطة الموجودين لا يكفي لتنظيم المرور في شوارع قطاع غزة.

وذكر رضوان في تصريح لـ"فلسطين" أن عدم وجود وعي مروري لدى المواطنين والسائقين من أسباب وقوع الحوادث.

ونبَّه إلى أن التزام السائقين بالقانون يتجلى خلال فترة التدريب التي تسبق الحصول على رخصة قيادة، لكن عندما تصبح الرخصة في يد السائق بعد انتهاء التدريب فإنه لا يلتزم بالقانون.

وأشار إلى أن مشكلة يرتكبها السائقون بسيرهم دون رخص قيادة، وهو ما يؤدي إلى ارتكاب حوادث مرورية، مضيفًا: "غالبية الحوادث تكون من سائقين لا يحملون رخص قيادة".

وأوصى رضوان في ضوء ذلك بضرورة متابعة المركبات ميكانيكيًّا وفنيًّا، "لأن هناك طيشًا وإهمالًا، ومن المهم نشر الوعي المروري من خلال مدارس تعليم السياقة والجمعيات الملزمة بنشر الوعي المروري للتخفيف من حوادث الطرق".

وطالب بضرورة توفير عدد كافٍ من عناصر شرطة المرور لتنظيم السير، والمتابعة والتفتيش على المركبات لضمان الحصول على الترخيص والتأمين، وفحص المركبات من الناحية الميكانيكية، مبينًا وجود مركبات انتهى عمرها الافتراضي فعليًا وما تزال تسير في شوارع غزة.

الزيان يدعو لضرورة توفير ثقافة السلامة المرورية للسائقين والمشاة

ويقول المدير العام لسلطة الترخيص والنقل في وزارة النقل والمواصلات بغزة خليل الزيان، إن كل حادث له أسبابه وتداعياته، نظرًا لأن كل حادث لا يشبه الآخر، عادًّا أنه من الضروري توافر ثقافة السلامة المرورية للسائقين والمشاة.

ويؤكد الزيان في تصريح خاص بـ"فلسطين" أنه حال وقوع حادث مروري فإن الوزارة تدرسه جيدًا، فإن كان ناجمًا عن خلل في الطريق تُلزم الجهة المختصة بمعالجة الخلل سواء كانت بلدية أو وزارة الأشغال العامة إذا كان الطريق إقليميًّا.

وأضاف أن "أماكن ومفترقات وقعت فيها حوادث وجدنا أن الطريق فيه خلل، وبالتالي تلجأ الوزارة إلى معالجة الخلل، وإن كان الخلل في المركبة تتخذ الإجراءات القانونية".

وأكد أن دور شرطة المرور على الطرق إيجابي، لكنه يحتاج إلى مزيد من التفعيل وإجراءات ضبط الفوضى التي يتسبب بها بعض السائقين، لتقليل الحوادث.

وتساءل: ما ذنب الطفل الذي يلقى حتفه نتيجة السرعة الزائدة وعدم اتباع السائق إجراءات السلامة؟ رافضًا أي حديث من السائقين عن تردي الوضع الاقتصادي عندما تفرض غرامات مالية على المخالفين.

وأشار إلى أن القوة الشرطية بإمكانها معالجة هذه الإشكالات من خلال إجراءات الضبط الميداني للسائقين في الشوارع، لافتًا إلى أن الوزارة لها دور فاعل في التقليل من حوادث الطرق وفق الإمكانات المتاحة، من خلال إنارة طرقات ومفترقات رئيسة وخطرة، وكذلك توفير إشارات مرورية وفق معايير قانون المرور والسلامة المرورية.

مطبات صناعية

وذكر أن الوزارة مسؤولة عن المطبات الصناعية، وخاصة في شارع صلاح الدين الذي يربط محافظات القطاع الخمس، للحد من السرعة الزائدة وتهور السائقين على الطريق.

وبيّن أن الوزارة تتابع مراكز الفحص والإشكالات التي تتعلق بذلك ضمن متابعة الجانب الفني للمركبات، وفي حال مخالفة المعايير الأساسية تتخذ الوزارة الإجراءات القانونية وتحيل الملفات إلى النيابة.

وعملت الوزارة على تطوير السائقين باختلاف فئاتهم وأنواع المركبات التي يقودونها من خلال دورات تدريبية، شملت تقديم برامج تدريب وتطوير لتعزيز الوعي المروري، وتعزيز مفهوم قانون المرور وأهميته لدى السائقين، وتعزيز التعامل مع المركبات بأنواعها وأشكالها، وفق الزيان.

وبشأن المركبات التجارية ذكر المدير العام لسلطة الترخيص والنقل أن وزارته ركّبت كاميرات لهذا النوع من المركبات التي تضطر أحيانًا إلى الرجوع للخلف للوصول إلى شوارع ضيقة، مثل شاحنات المياه، لتمكين السائق من الرؤية في الزوايا والنقاط الميتة.

ونبه الزيان إلى أن المجتمع بغزة يعاني ثقافة مرورية متدنية، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود متكاملة بين الوزارات، وخاصة النقل والمواصلات، والتربية والتعليم العالي، ومؤسسات المجتمع المدني والطفولة، حتى نتمكن من إحداث التغيير المطلوب، وفق خطة ممنهجة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لتغيير ثقافة وسلوك المواطن.

وأشار الزيان إلى مقترحات لإنشاء جسور للمشاة في بعض الأماكن بغزة، لكن ليس باستطاعة الوزارة تنفيذها بسبب تكلفتها العالية، في ظل ظروف الحصار المفروض منذ سنوات.

ولفت إلى وجود مؤسسات تعليمية أُنشئت في أماكن تشكل خطورة على الأطفال، منبهًا إلى أن الأصل إزالتها، مثل المدارس التي أُنشئت في دير البلح وسط قطاع غزة، على شارع صلاح الدين.

وأكمل: "هذا الأمر يحتاج إلى معالجة، على الأقل وضع جسور خشبية للطلبة المشاة".

وشدد على أن القانون يفرّق بين السائق الذي لديه ترخيص وتأمين ومن لا يمتلكهما، مشيرًا إلى من لديه هذه الأوراق بإمكانه علاج المشكلة حتى مع الذي تسبب له بالضرر، في حين أن أي حادث مروري سيسبب لمن لا يمتلكها إشكالات كبيرة.

حرب: الحوادث تنتج عن عدم الحيطة والحذر من السائق في المناطق السكنية

بدوره أكد مفتش التحقيقات في شرطة المرور سابقًا العقيد فهد حرب، أن التحقيقات تثبت أن إهمال السائقين في أثناء القيادة والسرعة الجنونية سببان رئيسان أديا لوفاة 26 مواطنًا منذ بداية العام الحالي.

وذكر حرب في تصريح لـ"فلسطين" أن الأطفال الذين لقوا حتفهم من جراء حوادث منفصلة وقعت في مخيمات مكتظة بالسكان، وغالبيتها حدثت في أثناء عودة السائقين بمركباتهم إلى الخلف، تخللها صعود عجلات المركبات فوق أجساد الأطفال.

وأشار إلى أن الحوادث نتجت عن عدم اتخاذ الحيطة والحذر من طرف السائق في مناطق سكنية ومأهولة بالأطفال، لافتًا إلى أن المئات من الإصابات المتنوعة، إضافة إلى أضرار مادية جسيمة لحقت بالمركبات منذ بداية العام الحالي.

وأشار إلى أن القيادة بسرعة جنونية لا تتفق وظروف الطريق الذي تسير فيه المركبة، يؤدي إلى حوادث مرورية، سواء في الشوارع الرئيسة مثل صلاح الدين أو شارع الرشيد الساحلي، أو حتى الشوارع الداخلية والفرعية للمدن والمحافظات.

ومن الأسباب التي تؤدي للحوادث أيضًا، وفق حرب، عدم امتلاك سائقين رخصة قيادة، وعدم الانتباه جيدًا قبل دخول الشوارع الفرعية والداخلية للمخيمات والمناطق المأهولة سكنيًا.

ضحايا الحوادث

وبشأن الحوادث التي تتسبب بوقوع ضحايا قال: من المتعارف أن حوادث الطرق غير متعمدة، ولا تدخل في نظام الحوادث الجنائية المتعمدة، بغض النظر عن الإهمال الموجود، فهي تخضع للإجراءات القانونية نفسها التي يخضع لها المصاب جسديًا نتيجة حادث مروري.

وبموجب القانون فإن السائق يوقف لمدة تتراوح بين 24- 48 ساعة، على ذمة النيابة، ثم يُحال إلى المحكمة المختصة، ثم يُوقَف 15 يومًا على ذمة القضية، ويخلى سبيله بكفالة شرطة أو بالسلطة التقديرية التي يتمتع بها القضاء، وفي الأغلب بعد المصالحة الودية العشائرية بين ذوي السائق والمتوفى.

وقال حرب: "تغلُب على مجتمعنا العادات والتقاليد، وهناك تدخل من لجان الإصلاح لجبر الخواطر بين أهالي الضحية والمتسبب بالحادث، وهذا ما تعوَّد عليه مجتمعنا، لكن بما لا يخلُّ بإجراءاتنا القانونية أو يتعارض وهذه الإجراءات كحق عام للحكومة".

وزاد على قوله: "الحوادث المرورية تقع عن طريق الخطأ، وغير متعمدة، لكن لا تمنعنا من اتخاذ إجراءاتنا حسب الأصول، وحتى لو تمَّت المصالحة فإنه يوجد قضية، وهذا طبعًا في أغلب المجتمعات العربية في الدول المجاورة".

قانون 2005

وذكر أن الحادث الذي ينجم عنه إصابة جسدية -سواء أكانت متوسطة أم خطيرة أم أدى إلى وفاة- فإن إجراءات مطابقة لقانون المرور رقم (5) لعام 2000، المطبق في الأراضي الفلسطينية، تشمل استجواب السائق والتحفظ عليه وضبط أقواله بعد ضبط أقوال الشهود، ومعاينة مكان الحادث، وتوجيه الاتهام إليه، وفتح قضية لدى شرطة المرور، وإحالته إلى الجهات المختصة سواء أكانت نيابة أم محكمة، للبتِّ في قضيته.

وأكمل مفتش التحقيقات في شرطة المرور أنه في حال امتلاك وثيقة تأمين للمركبة التي ارتكب بها الحادث، يُفتح تأمين للمصاب، ويقع على عاتق شركة التأمين علاج المصاب داخل مستشفيات القطاع أو حتى خارجه، حال عدم وجود وثيقة تلزم السائق بتعويض الضرر الجسماني ومدى العجز الذي لحق بالمصاب إذا أصيب بإصابات خطيرة.

وبحسب حرب فإن المركبة المسبِّبة للحادث، وحال كانت صالحة للسير تعطى تصريحًا لإصلاح الضرر، وإذا لم تستوفي الأوراق الثبوتية وثبت للفاحص الفني وجود خلل ميكانيكي أو فني توقف هذه المركبة حتى لو كانت حاصلة على جميع الأوراق الثبوتية الصالحة لها كمركبة تسير على الطريق العام.

وأوصى حرب بالالتزام بالسرعة القانونية وعدم تجاوزها بما يتوافق وظروف الطريق، خاصة أن السرعة غير القانونية تسبب حوادث جديدة، مطالبًا السائقين بضرورة الحصول على رخصة قيادة سارية المفعول، وعدم السياقة دونها حتى لا يعرض السائق نفسه للمساءلة هو أو مالك المركبة.

كما أوصى بتوفير التأمين للمركبة لما يوفره من علاج للمصاب وتعويضه، وإلا فإن السائق يحل محل التأمين في كل التعويضات وعلاج المصاب، وفي هذه الحالة قد يتحمل مبالغ رهيبة إذا تسبب بحادثٍ مروري يؤدي إلى إصابات خطيرة أو حالات وفاة.