رغم التعاون القائم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في المجالات الصحية والأمنية، لكن الأولى تعتقد أن انهيارها اقتصاديا بات مسألة وقت، فأزمة كورونا ستترك تأثيراتها السلبية، ومئات آلاف العمال فقدوا مصادر دخلهم من العمل في إسرائيل والمستوطنات والمناطق الصناعية.
في هذه الحالة قد يتعرض الاستقرار الأمني الذي شهدته السلطة للاهتزاز، عقب إغلاق معظم مناطقها، وإشغال الحد الأدنى من الأعمال الاقتصادية، رغم إدراكها بأن الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالمنظومة الاقتصادية الإسرائيلية، وفي هذه الحالة فإن إمكانية صموده غير قائمة.
لكن القلق الذي يساور المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتعلق بأن الانهيار الصحي والاقتصادي قد يتزامن مع اندلاع أحداث أمنية وسيناريوهات متطرفة، ويسرع بقرب انفجار الضفة، ويعني اندلاع انتفاضة جديدة.
تدرك السلطة أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تعترف بضائقتها، وتقر بمخاطر انهيارها، لكنَّ يديها مكبلتان بسبب القرار السياسي الإسرائيلي، وما كانت توقعات كبيرة جدا قبل أسابيع، تحولت في الأيام الأخيرة لأمر شبه مؤكد، وإن لم يتم اتخاذ خطوات مطلوبة عاجلة وجوهرية، فإن مواجهة إسرائيلية عنيفة قادمة مع السلطة لا مجال لمنعها.
وفي اللحظة التي يخرج منها "الجني من الأنبوبة"، فسيستغرق خمس سنوات ليعود إليها، فوضع الضفة حساس ومتوتر، سواء على خلفية تقليص الدعم الأمريكي للسلطة أم رفضها تلقي أموال الضرائب، ما جعلها تجد نفسها في أزمة اقتصادية خطيرة، تزيد الغضب الشعبي الفلسطيني تجاه إسرائيل والسلطة معاً، وضد محمود عباس شخصياً، الذي انخفضت شعبيته لمستويات مهينة بصورة غير مسبوقة، ما يطرح علامات استفهام حول مدى قدرة السلطة على الصمود، ومنع الانهيار خلال زمن قصير، وهذه تقديرات الأمن الإسرائيلي آخذة بالتقوي يوما بعد يوم.
كل ذلك يؤكد أن فرضية انهيار السلطة باتت واقعية وحقيقية؛ فالكوابح التي حالت في الفترة الماضية دون انهيارها سقطت، ويعيش عباس نهاية دراماتيكية لعصره السياسي، صحيح أن صدور التحذيرات من انهيارها بدأت منذ تأسيسها قبل ربع قرن، لكنها تصاعدت وتراجعت بين حين وآخر، وفي كل مرة جمدت إسرائيل أموالا للسلطة، يعلن قادتها أنهم بصدد تسليم المفاتيح لها، وتفكيك السلطة، وفي كل مرة يتوقف هذا السيناريو في اللحظة الأخيرة، رغم أنها هذه المرة قد تبدو جدية، لأن عباس "اليائس" يقضي أواخر عهده السياسي.
ورغم أن نتنياهو يعلم أن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تتمثل ببقاء السلطة، لأنها حاجة أمنية، لكن مصلحته اليوم تتركز ببقائه على رأس الحكم، حتى لو تضمنت انهيار السلطة، ولذلك فإن إسرائيل "الرسمية"، لا تقدم حبة دواء للحالة المرضية "السلطة"، ولا تستمع لتحذيرات أجهزة الأمن من مغبة انهيارها، بل تتجاهل النداءات الخطيرة، ما يعني أن أي عود ثقاب كفيل بتفجر المنطقة، وإشعال الضفة، وانهيار السلطة.