يتوسل الإنسان إلى ربه بالأعمال الصالحة، ومن هذه الأعمال كف الأذى عن الآخرين لما له من بركة على حياته في الدنيا، فقد يتمكن الإنسان من إلحاق الأذى بالآخرين بلحظة انتقام واستغلال ويتمكن وقتها من رد جارح وموقف غادر بحق آخر، ولكنه يمتنع بهدف كف أذاه عن الآخرين، فما أهمية كف الأذى عن مصائب الدنيا وعن الآخرين؟، وماذا يفقد الإنسان في حال عدم كف أذاه عن الآخرين لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه"؟، هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:
فقال العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين أحمد زمارة: "إن من تمام الدين وجميل الأخلاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا سببًا رئيسًا لبعثته ألا وهو "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وإن من أعلى الأخلاق منزلة كف الأذى عن الناس، وإنها لتزن عند الله الموازين الثقيلة ، تأمل الإحسان إلى الناس من شيم الأنبياء والمرسلين وفي المقابل كف الأذى عنهم من قيم الإسلام العالية".
وبين أنه لذلك رتب القرآن الكريم أعظم العقوبات للذين يتسببون في أذية المسلمين قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً"، وذلك استحقه من جعل من نفسه جلادًا لعباد الله وجعل من لسانه سيفًا مسلطًا على رقاب العباد.
وأشار زمارة إلى أنه يعرف كف الأذى عن الناس والابتعاد عن كل عمل من شأنه أن يلحق الضرر أو الإساءة بالغير سواء كان ضررًا ماديًا أو حتى معنويًا، الذي من شأنه التأثير على نفسيات الآخرين، وفي ما ورد من أحاديث عن الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عن أبي موسى الأشعري قال: قلنا يا رسول الله: أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".
وأضاف: "والعجيب هنا أن الكثير من الناس يتصور أن الدين عبادات بدنية كالصلاة والحج والصدقة أو الصيام ونحوه، ولا يتخيل له أن من صميم العبادة وعظيم الدين الإحسان لعباد الله ويقابله في المقام كف الأذى عن الناس وحفظ أعراضهم".
وقوله تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينً"، فأوضح أن الله سبحانه وتعالى يأمر بالإحسان لعباده حتى بالكلام والقول اللين، ويبين سبحانه أن أذية الناس سببها الشيطان ويحذر من العدو اللعين الشيطان الرجيم.
ونوه إلى أن سبب التحذير من الأذى لعباد الله أن هذا الفعل الشنيع يتعدى أثره الفرد نفسه إلى الجماعة والمجتمع والبلد، قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك، كما أنه يفضي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى انتشار الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأصحاب.
ولفت زمارة إلى أن إيذاء المسلمين ورد فيه وعيد شديد وعقوبة أخروية، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً"، وعن أبي هريرة قال: (قال رجل: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار".
وأوضح أن الإنسان الذي لا يكف أذاه عن الآخرين فإنه يفقد الكثير من مراتب الإيمان خاصة إذا كانت الأذية عنوان شخصيته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، ولذلك فكف الأذى له بركة كبيرة في تنجية الإنسان من مصائب الدنيا.