يستميحكم كاتب السطور عذرا في أخذ استراحة محارب من الحديث عن خطة الضم الإسرائيلية، ليأخذكم بجولة سريعة إلى التمدد الإسرائيلي في بلدين عربيين لم يكونا مدرجين سابقا على أجندة التدخل الإسرائيلي المباشر، لكنهما قفزا سريعا إلى الأجندة المتقدمة لدوائر صنع القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، وهما: ليبيا واليمن.
ففي ذروة التطورات العسكرية والميدانية المتلاحقة في ليبيا واليمن، وتورط عدد من دول المنطقة في دعم قوى انقلابية، بصورة مكشوفة، يظهر التدخل الإسرائيلي فيهما عبر تسهيل من بعض الدول العربية، وإن كان من طرف خفي، سواء خدمة لمصالحها الإستراتيجية على شاطئ البحر المتوسط في ليبيا، أو تأمين مضيق باب المندب في اليمن.
تمثلت التدخلات الإسرائيلية التصاعدية في هذين البلدين بإصدار مواقف "غير رسمية"، كي لا تسجل عليها، لكن المعلقين السياسيين ومراكز البحوث، لا تخفي الانحياز الإسرائيلي تجاه القوى غير الشرعية في ليبيا واليمن من جهة، والتخوف الإسرائيلي المتصاعد من التقهقر الذي تمنى به تلك القوى، نظرا لما يمثله ذلك من تأثير على خارطة المنطقة الجيو-سياسية، وتبعاته المباشرة وغير المباشرة على إسرائيل.
الانقلابيون في ليبيا واليمن لم يتورعوا في الآونة الأخيرة عن إعلان مواقف سافرة منحازة لإسرائيل، بل تطلب الدعم منها، لاسيما بعد أن شعرت بتراجع مواقفها العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى، حصولها على موافقة واضحة من دول المنطقة الداعمة لها، لاسيما في مصر والسعودية والإمارات، التي ترتبط جميعها بعلاقات حميمية مع إسرائيل.
وقد شكلت التصريحات الصادرة أخيرا عن قادة الانقلابيين في ليبيا واليمن قمة جبل الجليد من العلاقات المتنامية مع إسرائيل، التي لا تخفي تطلعاتها من هذه العلاقات، فهي مستفيدة من ذلك، سواء لملاحقة قنوات إيصال الأسلحة للمقاومة الفلسطينية من ليبيا مرورا بمصر وصولا إلى سيناء، وانتهاء بقطاع غزة، أو بغرض السيطرة على آبار النفط الليبية.
أما حفتر، فيعتمد على إسرائيل بالحصول على السلاح بشكل غير مباشر، وتشارك الطائرات الإسرائيلية قواته لدعم عملياته العسكرية، بجانب إسناده العسكري والاستخباراتي ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وتحدثت تقارير عديدة عن تعاون أمني بينهما، عبر تدريب قوات حفتر على حرب الشوارع في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، وتم التدريب على يد ضباط إسرائيليين وصلوا الأراضي الليبية عبر تنسيق مع مصر.
لا تخفي إسرائيل خيبة أملها من الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق في ليبيا أخيرا، ورأتها تشكل تهديدا لمصالح إسرائيل، صحيح أن الصراع هناك لن يؤثر مباشرة على إسرائيل، إن سيطرت حكومة الوفاق المدعومة من تركيا على مقاليد الحكم في كامل التراب الليبي، لكنه سيُضعف نفوذ الدول التي تدعم أنشطة إسرائيل شرق البحر الأبيض المتوسط.