في الوقت الذي تصدر فيه التخوفات الإسرائيلية المشروعة من ردود فعل فلسطينية غاضبة تجاه تنفيذ خطة الضم المرتقبة في الضفة الغربية وغور الأردن، إلا أن تقديرات أخرى تبحث عما تعتبره أسبابًا تقف خلف إمكانية عدم تحقق تلك الردود من الفلسطينيين.
وتتابع المحافل الإسرائيلية ما ترى أنها عدم استجابة من الفلسطينيين للدعوات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية، وهو ما يمكن تفسيره بحالة اللامبالاة، وهي ظاهرة تُعزى لعدة عوامل، أولها تزامن هذه الدعوات السياسية مع وباء كورونا، وتأثيراته السلبية على الاقتصاد الفلسطيني على حساب القضايا السياسية والأمنية، ما يجعل الفلسطينيين قلقين بشأن أعداد المصابين بالوباء، والتبعات الكارثية على اقتصادهم.
ثاني العوامل يتعلق بتشكيك الفلسطينيين بدوافع ونوايا السلطة، وما يرتبط بقرار رئيسها محمود عباس بالتخلي عن الاتفاقات مع إسرائيل، على رأسها التنسيق الأمني بين الأمن الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي فلا يأخذ الشارع الفلسطيني تهديدات عباس المتكررة بجدية للابتعاد، لكنه يعتبرها خطوة تكتيكية محضة تهدف لدفع إسرائيل للتخلي عن خطة الضم، ليس أكثر!
ثالث الأسباب تعود لفقدان الفلسطينيين ثقتهم بقدرة القيادة الفلسطينية على مواجهة السياسات الإسرائيلية والأمريكية، وفي رأيهم فقد فشلت قيادة السلطة بمنع إسرائيل من مواصلة سياستها وتوسعها، وأخفقت بمنع الإدارة الأمريكية من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة للأونروا.
رابع هذه العوامل يرتبط بأن الفلسطينيين يعتقدون أن معظم الدول العربية لا تدعمهم الآن دعمًا كاملًا، فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، بل يرون أن بعضها على علاقة وثيقة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويقبلون صفقة القرن، علاوة على ذلك، يرى الفلسطينيون أن بعض الدول العربية بدأت في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتبدي الأوساط الأمنية الإسرائيلية ارتياحها، حيث إنه رغم قرار أبو مازن تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل، فإن قواته الأمنية تواصل اعتقال واستجواب النشطاء الفلسطينيين، خاصة المنتسبين لحركة حماس والمنظمات المسلحة في الضفة الغربية، وكل ذلك لا يلغي حقيقة أن قيادة السلطة ضعيفة للغاية، وبات النهج الصحيح للتعامل مع حالة الانحدار والفشل والعجز بين الفلسطينيين هو إيجاد قيادة وطنية جديدة نزيهة وذات رؤية استراتيجية.
الاستخلاص الإسرائيلي الأكثر إقناعًا لعدم إمكانية تحقق ردود فعل فلسطينية قوية وجادة يكمن في أن القيادة الحالية ضعيفة وفاشلة باتخاذ إجراءات جادة ردًا على التحركات الإسرائيلية كتوسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي، وهذا الضعف المخزي أنهك الروح الوطنية للفلسطينيين، ما منع أي حركة جادة لمواجهة إسرائيل، صحيح أننا قد نرى تظاهرات كبيرة الأيام القادمة، لكن السلطة لا تريد مواجهة كاملة مع إسرائيل!