هل تعود (إسرائيل) لتحمل المسئولية المدنية وغيرها في الضفة بصفتها دولة تحتل أراضي دولة أخرى وشعب آخر؟! هذا السؤال يقتضي سؤالا آخر يسبقه في الترتيب، يقول: هل ستغادر السلطة الفلسطينية كرسي قيادة وإدارة الضفة لإحداث فراغ إداري يضغط على دولة الاحتلال لإشغاله بالعودة، أو بحلول أخرى؟! وهذا السؤال يفترض سؤالا آخر يقول: وماذا ستفعل قيادات السلطة إذا غادرت كراسي المسئولية؟! هل أعدوا البديل الذي يذهبون إليه؟ وما هو هذا البديل؟!
وهكذا تتوالد الأسئلة .
من الواضح عند تعمق الأسئلة أنها مجموعة توالدية، لا تقف عند سؤال بعينه، ومن الواضح أن دولة (إسرائيل) لن تعود إلى مربع المسئولية المباشرة عن إدارة الحياة المدنية والاقتصادية للسكان في الضفة، لأنها هي من سعت لمغادرة هذا المربع في اتفاقية أوسلو، وفي الوقت نفسه فإن السلطة لن تسمح بمنطقة فراغ لا تدري من سيشغلها، وكيف سيشغلها، وستعمل على التمسك بأوراق الإدارة المدنية والإدارية والأمنية، حتى وإن بالغ نتنياهو في مشروع الضم وفرض السيادة؟!
كرسي السلطة، وإدارة الضفة، هما الشرك الذي تبلور في أوسلو للوصول إلى هذه الحالة المعقدة، التي تمنع الفلسطيني من المغامرة، والعودة لمربع المقاومة في الضفة الغربية. (إسرائيل) التي أسست لهذه الحالة تمكنت فيها من استغلال المسئولين عنها من الفلسطينيين، وتقييد حركتهم، ومنعهم من التفكير خارج إطار السلطة، وكرسي المسئولية الإدارية والأمنية.
القيود التي قيد بها صاحب العمل وكيله في العمل، هي ما تمنع عباس من الخروج من الصندوق، وتجعله جاهزا دائما للقيام بواجبات عمله كوكيل مميز حتى من خارج التنسيق الأمني، ومن خارج العلاقة المباشرة بين قادة أجهزته وقادة أجهزة الاحتلال.
تعليمات عباس تقول إنه في حال اجتياح الجيش منطقة ما من الضفة فعلى الشرطة الفلسطينية والأجهزة الأخرى مغادرة المنطقة بهدوء، وعدم الاحتكاك بالجيش. وفي حال توافر معلومات للأجهزة الفلسطينية عن عملية مقاومة فإن على الأجهزة اعتقال المقاومين فورا! وهذه التعليمات وغيرها مما يماثلها التي صدرت أخيرا تؤكد أن عباس سيعمل على استبقاء السلطة في كرسي القيادة والمسئولية، وهو ما يبعث برسائل مريحة لنتنياهو والجيش الإسرائيلي.
السلطة لن تغامر بالسماح بأعمال قوية وعنيفة ضد عمليات الضم وفرض السيادة. السلطة تقود الضفة نحو ردود أفعال مقننة، ودائما تحت السيطرة، ولن تترك للشعب والفصائل العمل خارج الإطار الذي حددته.
والمؤسف أن الإطار الذي حددته السلطة سواء كان من مرحلة أو من ثلاث مراحل كما يقول الرجوب، فإنه لا يحقق الهدف الفلسطيني بمنع الضم وفرض السيادة، لأن سلطة الاحتلال تتقبل باحترام هذا الإطار المقنن من ردود الأفعال في هذه المسألة. وهي في الأساس تشعر بارتياح لبقاء السلطة في كرسي الحكم، والتحكم، و هي ليست في حاجة للبحث عن البديل! وليست في حاجة للعودة للضفة لتحمل المسئولية كدولة احتلال!