تُوافق اليوم الذكرى التسعون لإعدام سلطات الانتداب البريطاني أبطال ثورة البراق في سجن عكا المعروف باسم "القلعة"، إذ تحلّ المناسبة الوطنية في ظل منعطف تاريخي خطير تمر به القضية الفلسطينية مع نية الاحتلال الإسرائيلي ضم أجزاء من الضفة الغربية لسيادته المزعومة.
آنذاك اعتقلت سلطات الانتداب 900 فلسطيني، وأصدرت أحكامًا بالإعدام على 27 منهم، ثم خفَّفت الأحكام عن 24 منهم، ونُفِّذ حكم الإعدام في 17 يونيو/ حزيران 1930م بحق 3 فلسطينيين تحولوا إلى أيقونات في الذاكرة الفلسطينية، وهم: فؤاد حسن حجازي، ومحمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير.
ويرى مراقبون للشأن الفلسطيني أن المتتبع لأحداث "ثورة البراق" وما تلاها من خطوات خطاها المجتمع الدولي وبريطانيا لاحتواء الثورة، يتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن إنصاف شعبنا الفلسطيني في مواجهة أيِّ قرارات عدوانية لا يتم إلا بوجود حراك مقاوم من شعبنا، يدفع الأطراف ذات الصلة إلى الاستماع لمطالبه.
ويؤكد الباحث عصام عدوان أن ثورة البراق بدأت بوادرها في عام 1928م، لكن الأحداث الرئيسة لها حدثت في 1929م، حيث كانت مرتبطة بحائط البراق الذي حاول اليهود السيطرة عليه واحتلاله مبكراً، حتى أنهم قدَّموا عرضًا للعرب لشرائه، فرفضوا واحتاطوا ضد رغبة السيطرة عليه ووقفوا له بالمرصاد.
وقال: "وقف المجلس الإسلامي الأعلى منذ تأسيسه بالمرصاد لكل خطوة لليهود تجاه الأقصى، ومحاولاتهم وضع معدات لهم بجانب حائط البراق ليتراجعوا عن ذلك في كل مرة، لكنهم تعدوا على البراق بشكل فجٍّ في عام 1928، مما أجّج مشاعر العرب فشكلوا لجانًا لحراسة الأقصى".
وأضاف: "عقدت الحركة الصهيونية مؤتمرها الـ20 في زيوريخ سنة 1928، وقرّرت السيطرة على الأقصى، ورتبت أمورها على ذلك وأقام اليهود مسيرة مشيًا على الأقدام من (تل أبيب) إلى القدس حتى وصلوا إلى البراق، مع صيحات (الحائط لنا)، مما استفزّ العرب فخرجوا في اليوم التالي واشتبكوا مع اليهود".
وتابع: "نتج عن الاشتباكات عشرات القتلى اليهود والشهداء الفلسطينيون، ووقف البريطانيون للفلسطينيين بالمرصاد وأخذوا بتحجيمهم ومنعهم من التعدي على اليهود بحجة فض الاشتباك، واقتحموا قرى فلسطينية عدة وقتلوا واعتقلوا الكثير من الأهالي وحكموا على بعضهم بالإعدام ثم خفّضوا الحكم على جميع المعتقلين ما عدا جمجوم والزير وحجازي".
ويؤكد أن الشهداء الثلاثة ارتقوا في قضية سامية جدًّا، هي الدفاع عن المسجد الأقصى، حيث استفز إعدامهم الفلسطينيين، فحاولت بريطانيا التخفيف من غضبهم بتشكيل لجنتي تحقيق في أحداث الثورة، واحدة تبحث سياسة الاستيطان اليهودي والثانية في ملكية حائط البراق.
وأفضت نتائج اللجنة الثانية إلى أن الحائط مِلْك للمسلمين، هو والساحة المجاورة له، على أن يسمحوا لليهود بالصلاة بجواره، ووضعت بريطانيا توصيات اللجان الثلاث في كتاب أسمته "الكتاب الأبيض" لاستعطاف الفلسطينيين، حيث دعا الكتاب لتحجيم الهجرة اليهودية لفلسطين، الأمر الذي رفضه اليهود وعدّوه خطيرًا، وواصلوا رفضهم حتى تراجعت بريطانيا عن محتواه، في رسالة من رئيس وزرائها إلى رئيس الحركة الصهيونية حاييم وايزمان.
ورأى أن الموقف الدولي آنذاك والمتمثل في بريطانيا من جهة وعصبة الأمم من جهة ثانية، يماثل مواقف الأمم المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حاليًا، والتي تأخذ على عاتقها امتصاص غضب الفلسطينيين وتفويت أي إنجاز لهم لصالح المشروع الصهيوني.
ويقول: "الثورة قد تندلع في أيِّ لحظة كما حدث في ثورة البراق، حيث صبر الفلسطينيون على سلوكيات اليهود عشر سنوات ثم انفجروا دفعة واحدة".
ولذلك يرى أن إقدام (إسرائيل) على ضم الضفة الغربية "يعني أنها ستلعب بالنار في مسعاها لتغيير الوصاية الدينية على الأقصى والقدس وهو ما ينذر بثورة وتوتر كبيرين".
ردّ فعل مضاد
بدوره عدَّ المؤرخ للحركة الوطنية أحمد الحج، أن قراءة الأحداث المصاحِبة لثورة البراق وإعدام الشهداء الثلاثة يؤكّد أنّ كلّ فعل له رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.
ويقول: إن الإصرار على المقاومة ودحر الاحتلال سواء من قطاع غزة أم جنوب لبنان "يعطينا الأمل أنه في ظل استمرار الصراع بيننا وبين الاحتلال، ما زلنا قادرين على دحر الاحتلال حتى لو كانت هناك قوى داخل فلسطين وخارجها تناصره".
وتابع: "كما نجحنا في ثورة البراق، وفي محطات نضاليّة سابقة بوقف مخططات للاحتلال، فسنتمكن من ذلك بالاستمرار بنهج المقاومة في وجه الاحتلال ومخططاته الاستيطانية كمخططات الضم".
وعدَّ أن القتال –فقط- الوسيلة الوحيدة لصد المعتدي، أما مفاوضته مباشرة أو عبر وساطات لوقف عدوانه "مضيعة للوقت"، قائلًا: "لنا في ثورة البراق مثال، حيث تداعت الجهات الدولية لاحتواء ثورة الشعب الفلسطيني وتقديم الحلول له".