التحلل من الاتفاقات الإسرائيلية – الفلسطينية خطوة في المسار الصحيح في حال وجود حقيقي لقيادة فلسطينية وازنة تدرك تداعيات هذا التحلل، منها مواجهة الاحتلال من خلال كل المستويات المحلية والدولية، والعودة إلى خطوط المواجهة ومقاومة الاحتلال بكل الأدوات المسموحة، أقلها إشعال انتفاضة عارمة في الضفة وإلغاء التنسيق الأمني والإصرار على حتمية تنفيذ القرار.
إن الأدوات الفاعلة التي تملكها السلطة الفلسطينية يجب تنميتها وتوظيفها في مواجهة الاحتلال في ظل إجراءاته القمعية والمتواصلة، وفي سياق البدء في وضع الترتيبات النهائية لضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية بما فيها غور الأردن.
فهل ما صرّح به رئيس السلطة محمود عباس بالتحلل من كل الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية بما فيها الاتفاقات الفلسطينية- الأمريكية تأتي خطوة حقيقية لمواجهة خطط الاحتلال التوسعية وابتلاع أراضي الضفة الغربية والتنكيل بالفلسطينيين عبر الحواجز الإسرائيلية والمداهمات الإسرائيلية المتواصلة لمدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها؟
من المفارقات السياسية في تصريحات أو قرارات الرئاسة الفلسطينية أن هناك قرارات ملزمة أجمع عليها المجلس الوطني الفلسطيني بإلغاء التنسيق الأمني وتعليق الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وإلغاء كل العقوبات عن قطاع غزة، والعودة إلى نبض الشعب الفلسطيني والعمل بروح الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال ومواجهة الخطة الأمريكية "صفقة القرن" وقد واجهت مجمل هذه القرارات فيتو عباس، الذي أفسد ما أجمع عليه الشعب الفلسطيني وقيادته المناهضة للاحتلال.
ورغم الخطوط العريضة في النظام السياسي الفلسطيني التي لا تمنح رئاسة السلطة إلغاء أي قرار وطني يُجمع عليه كل الفلسطينيين، وتحديد صلاحيات رئيس السلطة وفق النظام والدستور واللوائح القانونية والتشريعية التي تحدد السقف الأعلى لصلاحياته، إلا أن بعض السلوكيات تؤكد تماماً أن المنظومة الأمنية الفلسطينية هي المحدد الأساس لتلك الصلاحيات وهي رأس المال الحقيقي المساهم في بقاء السلطة قائمة بالضفة الغربية المحتلة وتحت السيادة الأمنية الإسرائيلية.
في سياق متصل ما هي المؤشرات الحقيقية على صحة ما صرّح به رئيس السلطة؟ وهل سبق هذه التصريحات تنفيذ مباشر للقرارات التي اتُّخذت سابقاً؟ وهل التزم الاحتلال بكل ما وقع عليه منذ الإعلان عن أوسلو 1993؟ ألم يتنصل الاحتلال من كل تلك الاتفاقات ومن تبعاتها؟ ألم تُعد دولة الكيان قراءته الإستراتيجية لمستقبل السلطة الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي وبدأت تمارس نهجاً جديداً في محاصرة الموارد المالية للفلسطينيين وابتزازهم خلال مفاوضات عبثية لا ترتقي لتضحيات جسيمة على مر العصور؟ ألم يُعد الاحتلال سيطرته الكاملة على الضفة الغربية، وقرصنة المياه وتفكيك بنية النسيج الوطني الفلسطيني وعزل مناطق الضفة من خلال حواجز القمع الإسرائيلية وملاحقة عناصر المقاومة تحت رعاية فلسطينية بموجب ما يعرف "بالتنسيق الأمني"؟
ألم يأن الوقت لتطبيق اتفاق القاهرة 2017 الذي ترعاه الشقيقة مصر، لإنهاء الانقسام ووقف الاعتقالات السياسية والدخول في مرحلة تاريخية فاصلة للقضية الفلسطينية من خلال رؤية مشتركة إستراتيجية لإعادة بناء البيت الفلسطيني وإصلاح منظمة التحرير والعودة إلى صندوق الانتخابات الذي سيفرز بكل تأكيد قيادة فلسطينية قادرة على مقاومة الاحتلال وتبني مشروع المقاومة وعزل كل الاتفاقات عن الخارطة الجغرافية لفلسطين؟
الكثير من التساؤلات يجب الوقوف أمامها للكشف عن الحالة الفلسطينية وعن هوية ومستقبل تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي لا تزال حبراً على ورق ما لم يتم الإعلان عن البدء في أول خطوة للتنفيذ الفعلي والحقيقي.