يحيي الشعب الفلسطيني هذه الأيام، الذكرى الـــ72 لنكبته الكبرى، نكبة فلسطين، التي كان من نتائجها المباشرة تدمير الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، وإقامة كيان الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضه، بعملية إحلال يهود قادمين على متن السفن من كل أصقاع المعمورة مكان الشعب الأصلي، الذين وصلوا إلى فلسطين بإشراف سلطات الانتداب ومجموع الدول الاستعمارية الكبرى في حينه.
فقد شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير، وولادة ظاهرة اللجوء الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، مأساة كبرى للشعب العربي الفلسطيني، فقد جرت عملية تطهير عرقي، تم من خلالها تدمير وطرد شعب بكامله، وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، وتشريد ما يربو عن ثمانمئة ألف مواطن فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية، عدا عن المواطنين العرب من سوريا ولبنان والأردن، والذين كانوا يقيمون في فلسطين بشكل دائم بقصد العمل، حيث انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة (دول الطوق: الأردن وسوريا ولبنان) إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضِعَت لسيطرة الاحتلال عام النكبة وما تلاها بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على أراضيهم.
وحسب المعطيات التي وزعها قبل أيام المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله، وتحديدا يوم 13/5/2020، فقد سيطر الاحتلال "الإسرائيلي" خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل ومسحها من الوجود، وبناء المستعمرات مكانها، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه، وقد رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من سبعين مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد على خمسة عشر ألف مواطن فلسطيني.
وحسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء، ووفق ما جاءت به عُلا عوض رئيس المكتب، فقد بلغ عدد السكان في فلسطين التاريخية عام 1914 نحو 690 ألف نسمة، شكلت نسبة اليهود 8% فقط منهم، وفي العام 1948 بلغ عدد السكان أكثر من مليوني نسمة، منهم حوالي 31.5% منهم من اليهود، وقد ارتفعت نسبة اليهود خلال تلك الفترة كما هو ملاحظ، بفعل توجيه ورعاية هجرة اليهود إلى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث تضاعف عدد اليهود أكثر من ستة مرات خلال الفترة ذاتها، وقد تدفق بين أعوام 1932 و1939 أكبر عدد من المهاجرين اليهود، وبلغ عددهم نحو 225 ألف يهودي، كما وتدفق على فلسطين بين عامي 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي، وبهذا تكون فلسطين قد استقبلت بين عامي 1932 و1947 ما يقرب من 318 ألف يهودي، ومنذ العام 1948 وحتى العام 1975 تدفق أكثر من 540 ألف يهودي. عدا عن موجات الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى فلسطين عامي 1990 ـــ 1991، وهي موجات الهجرات الأكبر في تاريخ قيام "الكيان الإسرائيلي"، والتي تم بفعلها إحداث التحول السكاني اليهودي بعد أن كانت أعداد المواطنين العرب على أرض فلسطين التاريخية قد تجاوزت أعداد اليهود. والآن تعود الكرة مرة ثانية لنجد أن العداد السكاني على امتداد أرض فلسطين التاريخية بدأ يميل باتجاه الفلسطينيين، خصوصا مع نضوب مستودع الهجرات الخارجية اليهودية إلى فلسطين.
وعلى الرغم من تشريد أكثر من ثمانمئة ألف مواطن فلسطيني في عام النكبة 1948، ونزوح أكثر من مئتي ألف فلسطيني غالبيتهم إلى الأردن بعد حرب حزيران ـ يونيو 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم في نهاية العام 2019 حوالي 13.4 مليون نسمة، ومع الشهر الحالي من العام 2020 نحو 13.6 مليون فلسطين، ما يُشير إلى تضاعف عدد الفلسطينيين أكثر من تسعة مرات منذ النكبة عام 1948، أكثر من نصفهم (6.64 مليون) نسمة على أرض فلسطين التاريخية.
وعليه، إن وقائع التحول الديمغرافي ترتسم يوما بعد يوم، على امتداد أرض فلسطين التاريخية، فالشعب الفلسطيني صمد على أرض وطنه، رغم آلة القمع "الإسرائيلي" وسياسات الاحتلال، وهذا التحول دفع بغالبية القوى السياسية والحزبية داخل "إسرائيل" لطرح مقولة "يهودية الدولة". ولكن هيهات، فالشعب الفلسطيني موجود على الأرض في الداخل، وزمن الترانسفير أصبح خلف الظهر.
إن الشعب الفلسطيني، وفي ذكرى نكبته الكبرى، ما زال على عهده، وعلى وفائه لقضيته ووطنه، حيث يخوض الآن صراعه مع المشروع التوسعي الاستيطاني التهويدي الإسرائيلي، ومحاولات فرض الإملاءات عليه، مُتسلحا بإرادة قوية، دلَّت عليها انتفاضاته المتتالية بوجه الاحتلال بالرغم من كل الظروف الصعبة التي يعيشها، في فلسطين، وفي الشتات المحيط، وتحديدا في لبنان، وفي سوريا والمحنة التي مرَّت بها، وكان لاجئو فلسطين جزءا من الاستهداف، والدليل ما حصل في تجمعاتهم، ومنها مخيم اليرموك في سوريا، المخيم الذي ناله التدمير شبه الكلي.
إن الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، وفي ذكرى النكبة الفلسطينية، ونتائجها الأليمة، لا يقف عند حدود "اللطم"، و"الندب" و"البكاء"، بل يستمر في كفاحه الوطني، وقد تصلَّب عوده في هذا المضمار، يومًا بعد يوم، وبات الآن أكثر إصرارًا على الاستمرار في مشروعه الوطني، من أجل حق العودة للاجئين، وتقرير المصير، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.