في القراءة السريعة للتحولات الجارية داخل "المُجتمع اليهودي" على أرض فلسطين، بعد عقود من إقامة الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخيَّة وبالأخصِّ بعد عام 1990 وحتَّى عام 1995 حين قدِم إلى فلسطين نَحْوَ مليون ونصف من جمهوريَّات الاتحاد السوفيتيي السَّابق، أن (إسرائيل) ليست سوى كيان "هجين مُركَّب"، وقَدْ وضعت الأزمات الأخيرة هذا المُجتمع أمام حقيقته باعتباره مُجتمعًا قام كـ"كيان طافر" جاء في سياقات نتائج ما قبل وبعد الحرب العالَميَّة الثانية.
فــ"المُجتمع الإسرائيلي" هو عدَّة مُجتمعات هجينة ومُرَكَّبة على بعضها البعض، وهذا نتيجة طبيعيَّة لتجميع أعداد من اليهود وغير اليهود من شتَّى أنحاء الأرض، وكان الاعتقاد السَّائد هو أنَّ تعليم اللغة العِبْريَّة والثقافة اليهوديَّة سيكُونانِ أداة فعَّالة في تحقيق الاندماج وصولًا إلى تكوين "قوميَّة" و"شَعب واحد". وهي المراهنة التي انهارت، كما وأنَّها الأكذوبة المنافية للمنطق فاليهوديَّة دين ولَنْ تكُونَ شَعبًا أو قوميَّة.
لكنَّ الحقيقة التي تنطق، تشير إلى أنَّ التمايزات بَيْنَ مُكوِّنات المُجتمع إيَّاه، قَدْ تعمَّقت بين اليهود والعرب أصحاب الوطن الأصليِّين، وبَيْنَ اليهود أنفُسِهم ما بَيْنَ يهود غربيِّين (أشكناز)، ويهود شرقيِّين (سفارديم)، ويهود متديِّنين توراتيِّين شرقيِّين وغربيِّين، وكُلٌّ لهما حزبهما، وضِمْن كُلِّ فئة من هذه الفئات يوجد تسلسل هرمي تتابعي في تصنيف اليهود ودرجاتهم.
ويبرز ضمْن التصنيف المتدرِّج ما يُسمَّى بــ"مُجتمع الحريديم" وهم المتديِّنون اليهود المتشدِّدون الذين يرفضون التعلُّم ويرفضون القيام بأيِّ خدمة عسكريَّة أو اجتماعيَّة ويعيشون عالة على الكيان وميزانيَّته، وهم الأسرع نُموًّا ديمغرافيًّا من بَيْنِ اليهود على أرض فلسطين.
اقرا أيضًا: الأصولية اليهودية الجديدة القديمة!
اقرأ أيضًا: الصدع في المجتمع الإسرائيلي
ولا يفوتنا في هذا المجال للقول بأنَّ هناك أعدادًا وافرة ممَّن وصلوا من جمهوريَّات الاتحاد السوفييتي السَّابق إبَّان الهجرات اليهوديَّة الكبرى، ليسوا يهودًا، بل من منتحلي الهُوِيَّة اليهوديَّة، أو اليهود غير المتديِّنين، ويُصنَّفون ضِمْن النُّخبة الفنيَّة والعلميَّة، وهؤلاء ينظرون إلى (إسرائيل) بوصفها فرصة عمل مؤقَّتة بمجرَّد تغيَّرت الظروف فيها نَحْوَ الأسوأ، فهم مستعدُّون «للاستقالة» مِنْها والعودة إلى بلدانهم الأصليَّة وفق تقديرات الباحث الفلسطيني سلمان أبو أرشيد في دراسة له نشرها موقع (عرب 48) الإلكتروني.
إنَّ من مشاهد حالة التخبُّط في بنية "الكيان الإسرائيلي" واهتزازه المستمرِّ بالرغم من امتلاك "الكيان الإسرائيلي" لعوامل القوَّة العسكريَّة وحتَّى الاقتصاديَّة والصناعيَّة، ما يحدث من تعديلات مُستمرَّة على الدستور ضِمْن الكنيست. وعلى سبيل المثال، ومن موقع المقارنة ودلالاتها القاطعة، نوردُ الآتي:
دخل دستور الولايات المُتَّحدة حيِّز التنفيذ في الرابع من آذار/مارس 1789، ومنذ ذلك الحين وعلى مدار 234 عامًا، أدخل 27 تعديلًا فقط على الدستور، وفي إسبانيا عُدّل الدستور مرَّتيْنِ فقط منذ عام 1978، وفي فرنسا منذ عام 1953 تمَّت الموافقة على 15 تعديلًا على الدستور، أمَّا في إيطاليا منذ عام 1947 فسُنَّ 16 تعديلًا على الدستور، وفي (إسرائيل) وفقط بَيْنَ عامَيْ 1991 و2014، تمَّت الموافقة على 69 تعديلًا لقوانين أساسيَّة، وفي الكنيست الحالي، الكنيست الخامس والعشرين، أقرَّ حتى الآن خمسة تعديلات على قوانين أساسيَّة في غضون نَحْوِ تسعة أشْهُر من تاريخ الكنيست.