فلسطين أون لاين

نساء مؤثرات... سمية بنت خياط الثابتة حتى الاستشهاد

سمية بنت خياط.. من الإماء اللاتي لم يعطهنَّ المجتمع أي اعتبار.. كأنهن لسن بشر يشعرن ويتألمن، خُلقن فقط لخدمة الأسياد.. يُتاجر بهم كباقي الأشياء المادية.. وإذا زوجهن أسيادهن وأنجبن فأبناءهن يرثن العبودية.. فما الذي خلد اسم سمية بنت خياط ليبقى محفوظاً حتى وقتنا هذا؟

زوجها سيدها لياسر وأنجبت عمار، لينضم الآخر إلى عالم العبيد قبل أن يعتقه سيده.. ما خلد ذكرها أنه عند ظهور الإسلام سارع وأسرتها للانضمام لركبه، فكانت ثاني امرأة في الإسلام بعد أم المؤمنين خديجة، ولتكون أسرتها أول أسرة كاملة تسابق للإسلام.. فهرع كفار قريش لابتكار أساليب تعذيبٍ وأذى، لردِّهم عن دينهم.

عُذِبوا أشد العذاب فقيدت سمية وضُربت على رمال الصحراء تحت شمسها الحارقة، مغطاةً بدرع من حديد ليزيد من معاناتها.. عسى الألم يدفعها للرجوع عن الإسلام.. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مر عنهم يُعذبون كان يقول لهم: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة».

لم يردعها العذاب الشديد الذي لا يحتمله الرجال.. فكيف لامرأة ضعيفة كبيرة في السن؟ كان أبو جهل في تعذيبها يريد منها كلمة واحدة تكفر بها بدين محمد عليه الصلاة والسلام.. فصبرت واستمرت تنطق بالشهادتين فقهرته بإصرارها وإيمانها.

وإنه لشيء غريب أن يصدر كل ذلك من أَمَة، ولدت ونشأت وترعرعت في العبودية. فما الذي دفعها للإصرار على الدين، حتى أنهى أبو جهل حياتها بحربته بعد عذاب مرير؟

إن من لم يذق ألم القيد والاستعباد مرة لا يثمن الحرية ولا يدري لها معنى.. رأت في الإسلام الغد المشرق للبشرية جمعاء.. وأول من يقدر الغد المشرق القادم هم الضعفاء، ذوي الحقوق الضائعة.. فتراهم أكثر المبادرين للدخول فيه.. فكيف يمكن تركه فريسة لهؤلاء العتاة من مشركي قريش؟ أدركت تلك المرأة أن هذا الدين لن ينهض ويعلو دون تضحيات، فبادرت تضحي بنفسها؛ لأنها لا تملك سواها.

علمت بفطرتها أن خيارها الأوحد هو الثبات والصبر.. ففي الوقت الحاسم.. لا مكان لأنصاف الحلول.. فإما أسود وكفر.. وإما أبيض وإيمان.. حتى وإن كان الثمن هو بذل النفس.. لأن الأجيال القادمة ستسير على خطى الجيل الأول.. فإن اختار الجيل الأول التراجع فلن تجد الأجيال القادمة قدوة تحتذي حذوها.. ولن تجد النساء المسلمات بعد ذلك قدوة منهن بذلت النفس رخيصةً في سبيل الله ليسرن على خطاها، ويكملن مسيرتها.. حتى إن رسول الله لم يشر لها ولأسرتها بالتراجع عما عقدوا العزم عليه.. بل كان يشحذ هممهم ويقوي من عزيمتهم ليعينهم على إكمال مسيرتهم، هو ما يؤكد أن الحق كان وما زال بحاجة لأناس يضحوا من أجله ويبذلوا النفس رخيصة.. لا أن يتراجعوا ويبحثوا عن الأعذار التي تبرر قعودهم وتخاذلهم.

الباطل كعادته عندما تضيق السبل أمامه يلجأ إلى القوة المفرطة والبطش.. لأنه يشعر بعجزه وضعفه أمام العظماء مثل هذه المرأة.. فرغم الضرب والعذاب والشي البطيء تحت الشمس الحارقة.. فإنها أعجزته في إصرارها.. فلجأ إلى الخلاص منها بطعنة حربة.. اعتقاداً منه أنه هزمها.